كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 54 """"""
أخبارها في خبر عائشة بنت طلحة وأخبار جميلة ما يستغنى عن إعادته في هذا الموضع . فلنذكر من سواها .
ذكر أخبار سلامة القس
كانت سلامة القس هذه مولدةً من مولدات المدينة ، وبها نشأت ، وأخذت الغناء عن معبد وابن عائشة وجميلة ومالك بن أبي السمح ومن دونهم ، فمهرت فيه . وإنما سميت سلامة القس لأن رجلاً يعرف بعبد الرحمن بن أبي عمار بن جشم بن معاوية - وكان منزله بمكة ، وهو من قراء أهل المدينة ، كان يلقب بالقس لعبادته - شغف بها وشهر بحبها . وكان سبب ذلك أنه سمع غناءها على غير تعمدٍ منه فبلغ منه كل مبلغ . فرآه مولاها فقال : هل لك أن تدخل فتسمع ؟ فأبى . فقال له مولاها : أنا أقعدها حيث تسمع غناءها ولا تراها . فلم يزل بها حتى دخل ، فأسمعه غناءها فأعجبه . فقال : هل لك أن أخرجها إليك ؟ قال : لا . فلم يزل به حتى أخرجها فأقعدها بين يديه ، فغنت فشغف بها وشغفت به وعرف ذلك أهل مكة . فقالت له يوماً : أنا والله أحبك . فقال : وأنا والله الذي لا إله إلا هو أحبك . فقالت : والله أشتهي أن أعانقك وأقبلك . فقال : والله وأنا أشتهي مثل ذلك . قالت : وأشتهي والله أن أضاجعك واضع بطني على بطنك وصدري على صدرك قال : وأنا والله كذلك . قالت : فما يمنعك من ذلك ؟ والله إن المكان لخال . قال : يمنعني منه قوله عز وجل : " الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌ إلا المتقين " ، فأنا أكره أن تحول مودتي إياك عداوةً يوم القيامة . ثم قام وانصرف وعاد إلى ما كان عليه من النسك ، ولم يعد إليها بعد ذلك . وكان يشبه بعطاء بن أبي رباج . وكان له فيها أشعارٌ كثيرة ، منها قوله :
إن التي طرقتك بين ركائبٍ . . . تمشي بمزهرها وأنت حرام
لتصيد قلبك أو أجزاء مودةٍ . . . إن الرفيق له عليك ذمام
باتت تعللنا وتحسب أننا . . . في ذاك أيقاظٌ ونحن نيام

الصفحة 54