كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 57 """"""
وحكى أبو الفرج قال : لما قدم عثمان بن حيان المري المدينة والياً عليها ، قال له قومٌ من وجوه الناس : إنك قد وليت المدينة على كثرةٍ من الفساد ، فإن كنت تريد أن تصلح فطهرها من الغناء والرثاء . فصاح في ذلك واجل أهله ثلاثاً يخرجون فيها من المدينة ، وكان أبي عتيق غائباً ، وكان من أهل الفضل والعفاف والصلاح . فلما كان آخر ليلة من الأجل قدم فقال : لا أدخل منزلي حتى أدخل على سلامة القس . فدخل عليها فقال : ما دخلت منزلي حتى جئتكم لأسلم عليكم . فقالوا : ما أغفلك عن أمرنا وأخبروه الخبر . فقال : اصبروا علي الليلة . فقالوا : نخاف ألا يمكنك شيء . قال : إن خفتم شيئاً فأخرجوا في السحر . ثم خرج فاستأذن على عثمان بن حيان فأذن له ، فسلم عليه وذكر غيبته وأنه جاء ليقضي حقه ، ثم جزاه خيراً على ما فعل من إخراج أهل الغناء والرثاء ، وقال : أرجو ألا تكون حملت عملاً هو خيرٌ لك من ذلك . قال عثمان : قد فعلت ذلك وأشار علي به أصحابك . فقال : قد أصبت ، ولكن ما تقول في امرأةٍ كانت هذه صناعتها وكانت تكره على ذلك ، ثم تركته وأقبلت على الصلاة والصيام والخير ، وأنا رسولها إليك تقول : أتوجه إليك وأعوذ بك أن تخرجني من جوار رسول اله ( صلى الله عليه وسلم ) ومسجده ، قال قال : فإني أدعها لك ولكلامك . فقال ابن أبي عتيق : لا يدعك الناس ، ولكن تأتيك وتسمع من كلامها وتنظر إليها ، فإن رأيت أن مثلها ينبغي أن يترك تركتها ، قال نعم فجاءه بها . وقال : احملي معك سبحةً وتخشعي ففعلت . فلما دخلت على عثمان سلمت عليه وجلست وحدثته ، فإذا هي من أعلم الناس بأمور الناس ، فأعجب بها ، وحدثته عن آبائه وأمورهم ففكه لذلك فقال ابن أبي عتيق : اقرئي للأمير . فقرأت ، فقال لها : احدى ففعلت . وكثر عجبه منها . فقال : كيف لو سمعتها في صناعتها فلم يزل ينزله شيئاً فشيئاً حتى أمرها بالغناء فغنته . فقام عثمان من مجلسه وقعد بين يديها ، ثم قال : لا والله ما مثل هذه تخرج . فقال ابن أبي عتيق : لا يدعك الناس تقر سلامة وتخرج غيرها . قال : فدعوهم جميعاً . فتركهم جميعاً وأصبح الناس يتحدثون بذلك .
ثم اشترى يزيد بن عبد الملك سلامة ، وكانت لمصعب بن سهيل الزهري ،

الصفحة 57