كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 60 """"""
سعدة امرأته وعلمت انه لابد طالبها ومشتريها . فلما حصلت عندها قالت له : هل بقي عليك شيءٌ من الدنيا لن تنله ؟ قال : نعم ، العالية . قالت : أو رأيتها ؟ قال : نعم ، قالت : أفتعرفها ؟ قال : نعم ، فرفعت الستر فرآها ، فقالت : هذه هي ؟ قال : نعم . قالت : هي لك ، وخرجت عنهما . فسماها حبابة وعظم قدر سعدة عنده . ويقال : إنها أخذت عليها قبل أن تهبها له أن توطئ لابنها عنده في ولاية العهد .
قال : وارتفع قدر حبابة عند يزيد وتمكن حبها في قلبه تمكناً عظيماً . وكان أول ذلك أنه أقبل يوماً إلى البيت الذي هي فيه فقام من وراء الستر فسمعها تترنم وتغني :
كان لي يا يزيد حبك حينا . . . كاد يقضي علي لما التقينا
فرفع الستر فوجدها مضطجعةً مقبلةً على الجدار ، فعلم أنها لم تعلم به ولم يكن ذلك لمكانه ، فألقى نفسه عليها وحركت منه .
قال : وأراد يزيد بن عبد الملك أن يشتبه بعمر بن عبد العزيز ، وقال : بماذا صار عمر أرجى لربه مني . وقيل : بل لامه مسلمة بن عبد الملك على الإلحاح على الغناء والشرب ، وقال له : إنك وليت بعقب عمر بن عبد العزيز وعدله ، وقد تشاغلت بهذه الإماء عن النظر في الأمور ، والوفود ببابك وأصحاب الظلامات يصيحون وأنت غافل قال : صدقت والله ، وهم أن يترك الشرب ، ولم يدخل على حبابة أياماً ، فشق ذلك عليها فأرسلت إلى الأحوص أن يقول أبياتاً في ذلك ، فقال :
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا . . . فقد غلب المحزون أن يتجلدا
بكيت الصبا جهدي فمن شاء لامني . . . ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا