كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 66 """"""
وتدربت وغنت . وأخذت عن إسحاق وأبيه قبله وعن طبقتهما من المغنين . وكانت من تخريج بذلٍ وتعليمها . واشتراها علي ابن هشام بعد ذلك فازدادت أخذاً ممن كان يغشاه من أكابر المغنين . وكانت من أحسن الناس وجهاً وغناءً وأدباً . وكانت تقول : الشعر ليس مما يستجاد ولكنه يستحسن من مثلها . وحظيت عند علي بن هشام حظوةً شديدةً ، وتقدمت جواريه جمع عنده ، وهي أم ولده كلهم .
حكى أبو الفرج قال : كان عند علي بن هشام برذونٌ أشهب قرطاسيٌ في نهايته الحسن والفراهة وكان به معجباً ، وكان إسحاق بن إبراهيم يشتهيه شهوةً شديدةً ويعرض لعليٍ مراراً في طلبه فلم يسمح به . فسار إسحاق إلى عليٍ يوماً وقد صنعت متيم :
فلا زلن حسرة ظلعاً ، لم حملنها . . . إلى بلدٍ ناءٍ قليل الأصادق
فاحتبسه عليٌ بعث إلى متيمٍ يأمرها أن تجعل صوتها في صدر غنائها ففعلت ، فأطربت إسحاق إطراباً شديداً ، وجعل يستعيده ويستوفيه ليزيد في طربه وهو يصغي إليه ويتفهمه حتى صح له . ثم قال لعليٍ : ما فعل البرذون الأشهب ؟ قال : على ما عهدت من حسنه وفراهته . قال : اختر الآن مني خلةً من اثنتين : إما أن طبت لي نفساً به وحملتني عليه ، وإما أن أبيت فأدعي والله هذا الصوت لي وقد أخذته ، أفتراك تقول : إنه لمتيم وأقول : إنه لي ، فيؤخذ قولك ويترك قولي ؟ فقال : لا والله ما أظن هذا ولا أراه ، يا غلام ، قد البرذون إلى منزل إسحاق ، لا بارك الله لك فيه .
وحكى أن علي بن هشام مولاها كلمها بشيءٍ فأجابته جواباً لم يرضه ، فدفع يده في صدرها ، فغضبت ونهضت وتثاقلت عن الخروج إليه . فكتب إليها :
فليت يدي بانت غداة مددتها . . . إليك ولم ترجع بكفٍ وساعد
فإن يرجع الرحمن ما كان بيننا . . . فلست إلى يوم التنادي بعائد

الصفحة 66