كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 67 """"""
قال : وعتبت عليه مرةً فتمادى عتبها ، فترضاها فلم ترض ، فكتب إليها : الإدلال يدعو إلى الملال ، ورب هجرٍ دعا إلى صبرٍ ، وإنما سمي القلب قلباً لتقلبه ، وقد صدق عندي العباس بن الأحنف حيث يقول :
ما أراني إلا سأهجر من لي . . . س يراني أقوى على الهجران
ملني واثقاً بحسن وفائي . . . ما أضر الوفاء بالإنسان
قال : فخرجت إليه من وقتها ورضيت .
وروى عن يحيى المكي قال : قال لي علي بن هشام : لما قدمت جدتي شاهك من خراسان ، قالت : اعرض جواريك علي ، فعرضتهن عليها . ثم جلسنا على الشراب وغنتنا متيم ، فأطالت جدتي الجلوس ، فلم أنبسط إلى جواري كما كنت أفعل ، فقلت هذين البيتين :
أنبقى على هذا وأنت قريبةٌ . . . وقد منع الزوار بعض التكلم
سلامٌ عليكم لا سلام مودعٍ . . . ولكن سلامٌ من حبيبٍ متيم
وكتبت بهما في رقعةٍ ورميتها إلى متيم ، فأخذتها ونهضت لصلاة الظهر ، ثم عادت وقد صنعت فيه لحناً فغنته . فقالت شاهك : ما أرانا إلا قد ثقلنا عليكم اليوم ، وأمرت الجواري فحملوا محفتها ، وأمرت للجواري بجوائز ساوت بينهن ، وأمرت لمتيم بمائة ألف درهم .
قال : ومرت متيم في نسوةٍ وهي متخفيةٌ بقصر علي بن هشام بعد أن قتله المأمون . فلما رأت بابه مغلقاً لا أنيس به وقد علاه التراب والغبرة وطرحت في أفنيته المزابل وقفت عليه وتمثلت :
يا منزلاً لم تبل أطلاله . . . حاشى لأطلالك أن تبلى
لم أبك أطلالك لكنني . . . بكيت عيشي فيك إذ ولى

الصفحة 67