كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)

"""""" صفحة رقم 87 """"""
قال يعقوب بن بيان : وكان الناس بسر من رأى محتازبين ، فقومٌ مع شارية ، وقومٌ مع عريب ، لا يدخل أصحاب هذه في هؤلاء ، ولا أصحاب هذه في هؤلاء . وكان أبو الصقر إسماعيل بن بلبل عريبياً ، فدعا على بن الحسين يوم الجمعة أبا الصقر وعنده عريب وجواريها . فاتصل الخبر بشارية فبعثت بجواريها إلى علي ابن الحسين بعد يومٍ أو يومين ، وأمرت إحداهن - قال : وما أدري من هي : مهرجان أو مطرب أو قمرية ، إلا أنها إحدى الثلاث - أن تغنيه :
لا تعودن بعدها . . . فترى كيف أصنع
فلما سمع الغناء ضحك وقال : لست أعود .
قال : وكان المعتمد قد وثق بشارية فلم يكن يأكل إلا طعامها ، فمكثت دهراً تعد له كل يومٍ جونتين ، فكان طعامه منهما في أيام المتوكل .
وقال أبو الفرج : حدثني جحظة قال : كنت عند المعتمد يوماً فغنت شارية بشعر مولاها إبراهيم بن المهدي ولحنه :
يا طول علة قلبي المعتاد . . . إلف الكرام وصحبة الأمجاد
ما زلت آلف كل قرمٍ ماجدٍ . . . متقدم الآباء والأجداد
فقال لها : أحسنت والله فقالت : هذا غنائي وأنا عارية ، فكيف لو كنت كاسيةً فأمر لها بألف ثوبٍ من جميع أصناف الثياب الخاصة ، فحمل ذلك إليها . فقال لي علي بن الحسين بن يحيى المنجم : اجعل انصرافك معي ، ففعلت . فقال لي : هل بلغك أن خليفةً أمر لمغنيةٍ بمثل ما أمر به أمير المؤمنين اليوم لشارية ؟ قلت : لا . فأمر بإخراج سير الخلفاء ، فأقبل بها الغلمان في دفاترٍ عظام ، فتصفحناها كلها فما وجدنا أحداً قبله فعل مثل ذلك . انقضت أخبار شارية .

الصفحة 87