كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 88 """"""
ذكر أخبار بذل
قال أبو الفرج : كانت بذل صفراء مولدةً من مولدات المدينة وربيت بالبصرة ، وهي إحدى المحسنات المتقدمات الموصوفات بكثرة الرواية . يقال : إنها كانت تغني ثلاثين ألف صوت . قال : ولها كتابٌ في الغاني منسوب الأصوات غير مجنس يشتمل على اثني عشر ألف صوت ، يقال : إنها عملته لعلي بن هشام . قال : وكانت حلوة الوجه ظريفةً ضاربةً متقدمة . وابتاعها جعفر بن موسى الهادي ، فأخذها منه محمد الأمين وأعطاه مالاً جزيلاً . وأخذت بذل عن أبي سعيد مولى فائد ودحمان وفليح وابن جامع وإبراهيم وطبقتهم . وقال جحظة عن أبي حشيشة : وكانت احسن الناس غناءً في دهرها ، وكانت أستاذة كل محسنٍ ومحسنةٍ ، وكانت أروى خلق الله للغناء . وكانت لجعفر بن موسى الهادي ، فوصفت لمحمد الأمين ، فبعث إلى جعفر فسأله أن يزيره إياها فأبى ، فأتاه الأمين إلى منزله فسمع ما لم يسمع مثله قط ، فقال لجعفر : يا أخي ، بعني هذه الجارية . فقال له : يا سيدي ، مثلي لا يبيع جارية . قال : هبها لي . قال : هي مدبرة . فاحتال الأمين عليه حتى أسكره وأمر بحمل بذلٍ إلى الحراقة وانصرف بها . فلما أفاق جعفر سأل عنها ، فأخبر بالخبر ، فسكت . فبعث إليه محمد من الغد ، فجاء وبذل جالسةٌ فلم يقل شيئاً . فلما أراد جعفر أن ينصرف قال الأمين : أوقروا حراقة ابن عمي دراهم فأوقرت ، فكان مبلغ ذلك عشرين ألف ألف درهم . وبقيت بذل عند الأمين إلى أن قتل ، ثم خرجت فكان ولد جعفر وولد الأمين يدعون ولاءها ، فلما مات ورثها ولد الأمين .
وقال محمد بن حسن الكاتب : إن الأمين وهبها من الجوهر ما لم يملك أحدٌ مثله ، فسلم لها بعد مقتل الأمين ، فكانت تبيع منه الشيء بعد الشيء بالمال العظيم ، فكانت على ذلك مع ما يصل إليها من الخلفاء إلى أن ماتت وعندها منه بقيةٌ عظيمة . قال : ورغب إليها وجوه القواد والكتاب والهاشميين في التزويج فأبته ، وأقامت على حالها حتى ماتت .