كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 5)
"""""" صفحة رقم 92 """"""
مثل فليح وإبراهيم وابن الجامع وإسحاق ونظائرهم . وكانت تغني غناء إبراهيم فتحكيه فيه حتى لا يكون بينهما فرق ، فكان يقول ليحيى : متى فقدتني ودنانير باقيةٌ فما فقدتني .
وقال أحمد بن المكي : كانت دنانير لرجلٍ من أهل المدينة ، كان قد خرجها وأدبها ، وكانت أروى الناس للغناء القديم ، وكانت صفراء صادقة الملاحة . فلما رآها يحيى وقعت من قلبه موقعاً فاشتراها . وشغف بها الرشيد حتى كان يصير إلى منزل مولاها فيسمعها ، فألفها واشتد إعجابه بها ، ووهب لها هباتٍ سنية . منها أنه وهب لها في ليلةٍ عقداً قيمته ثلاثون ألف دينار ، فردته عليه في مصادرة البرامكة بعد ذلك . وعرفت أم جعفر الخبر فشكته إلى عمومته وأهله ، فصاروا جميعاً إليه فعاتبوه ، فقال : مالي في هذه الجارية أربٌ في نفسها ، وإنما أربي في غنائها ، فاسمعوها ، فإن استحقت أن تؤلف لغنائها وإلا فقولوا ما شئتم . فلما سمعوها عذروه ، وعادوا إلى أم جعفرٍ وأشاروا عليها ألا تلح في أمرها ، فقبلت ذلك ، وأهدت إلى الرشيد عشر جوارٍ منهن أم المأمون وأم المعتصم وأم صالح .
وقال عمر بن شبة : إن دنانير أصابتها العلة الكلبية فكانت لا تصبر على الطعام ساعةً واحدة ، وكان يحيى يتصدق عنها في كل يومٍ من شهر رمضان بألف دينارٍ لأنها كانت لا تصومه . وبقيت عند البرامكة مدةً طويلة . وقال إسحاق وأحمد بن الطيب : إن الرشيد دعا بدنانير بعد البرامكة ، فأمرها أن تغني . فقالت : يا أمير المؤمنين ، إني آليت ألا أغني بعد سيدي أبداً . فغضب وأمر بصفعها فصفعت ، وأقيمت على رجليها وأعطيت العود ، فأخذته وهي تبكي أحر بكاء ، واندفعت فغنت :
يا دار سلمى بنازح السند . . . من الثنايا ومسقط اللبد
لما رأيت الديار قد درست . . . أيقنت أن النعيم لم يعد
قال : فرق لها الرشيد ، وأمر بإطلاقها ، فانصرفت .