أسلم رجل لآخر ثوبًا في طعام، فحلَّ الأجل، وعجز المسلم إليه عن قضاء ما عليه من الطعام وفلس، لكان من حق بائع الثوب أن يسترده، ويفسخ البيع فيه.
فإذا كان فيه: تعذر استيفاء المثمون يوجب للمشتري حقًا في الفسخ، فكذلك يجب أن يكون تعذر استيفاء الثمن يوجب للبائع حقًا، وفسخَ العقد، واسترجاعَ سلعته.
وقد ألزم بعض العلماء في السكة إذا انقطعت، أو الفلوس إذا فسدت، وكانت ثمنًا، فإن لبائع السلعة فسخَ العقد لتعذر استيفاء الثمن. وإن كان بعض حذاق الشافعية مال عن هذا ولم يرضه، لكون الأثمان، التي هي الدراهم والدنانير، وإن لم توجد في بلد وجدت في آخر، ولو انقطعت في سائر البلاد على بعد في تصوير هذا فإنها لا عوض في عين هذا إنما العوض منها المالية لا الجنسية، وإنما تذكر في البياعات ليعلم ما تقع المطالبة فيه، والسلع، وإن كانت هي مالية، فالجنسية مقصودة فيها، فلهذا فسخ العقد ((والفلس، ولو نوقض)) (¬1) أبو حنيفة بكونه يرى أن من باع سلعة ولم يسلمها حتى فلس المشتري، فإن بائعها أحق بالاختصاص بها من سائر الغرماء، على اختلاف عندهم: هل يكون أحق بعينها ولو تسلمها المشتري أو تباع ويكون أحق بثمنها؟. وهذا قول يناقض به لكون بقاء السلعة في يده يقتضي ترجيحه وكأنها رهن في يده بالثمن فهذا غاية فيما بيننا وبين أبي حنيفة.
وأما ما بيننا وبين الشافعي من الخلاف، فإنا اتفقنا وإياه على أن البائع أحق بسلعته في الفلس دون الموت.
وذهب هو إلى أنه أحق بسلعته في الوجهين جميعًا: الفلس والموت.
واعلم أيضًا أن سبب هذا الاختلاف اختلاف الروايات عن أبي هريرة، وقد قدمناها. ومما ذكرناه فيها رواية مالك في الموطأ الحديث عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن من قول النبي عليه السلام: "إن البائع أحق بسلعته في
¬__________
(¬1) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: في الفلس، وقد نوقض.