لأن ما أخرجته القسمة كأنه دفع ما دفع لم تقع فيه معاوضة. وهذا إذا خلط الشيء بمثله.
وأما إن خلطه بجنس آخر، كمن باع زيت زيتون فخلطه مشتريه بزيت فجعل عنده، ثم فلس المشتري، فإن أصبغ قال لا يكون بائع الزيت أحق به، ورأى أن الزيتين متباينان ولا يتميز أحدهما من الآخر صار ذلك كالفوت؛ ولمن (¬1) اشترى سلعة فأفاتها فإن بائعها يحاصّ الغرماء بثمنها، وطرد أصبغ هذا الأصل، قال: وكذلك لو خلط قمحًا نقيًا بمغلوث أو بقمح مسوّس حتى أفسده، فإن ذلك فوت أيضًا.
ورأى بعض الأشياخ أن خلط القمح النقي بالمغلوث والجديد بالمسوس، لا يمنع البائع من كونه أولى بما باع بعد أن يقوّم الخليط، ويكون بائع السلعة أحق بما يصير له من القيمة.
وأجرى على المسألة المشهورة إذا اختلط شعير بقمح أو زيت بربيق فإن ذلك من استحقاق العين بعد التقويم، على ما ذكر في الروايات، فيما يستحق، مما سنبسطه في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأمّا الشافعي فإنه رأى إنْ خلط زيتًا اشتراه بزيت أجود منه، مثل أن يكون الذي اشتراه يساوي قفيزًا بدرهمين والذي خلط به يساوي قفيزًا بأربعة دراهم فإنه ذكر قولين:
فإذا قلنا: إن ذلك كالفوت فلا تفريع على هذا. وإن قلنا: إن ذلك ليس بفوت، فظاهر كلامه يقتضي أن يكون شريكًا بالقيمة في عين الزيت.
وتأول بعض أصحابه عليه أن يكون شريكًا في عين الزيت، لما يوقع ذلك فيه من التفاضل. وأما إن خلطه بأدنى منه، فإن أصحابه متفقون، إلاَّ من شذّ منهم، أنه من حقه أن يأخذ المكيلة التي باع من هذا الزيت المختلط؛ لأنه يأخذ
¬__________
(¬1) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: مَن.