كتاب شرح التلقين (اسم الجزء: 3/ 1)

في هذه الدار: ثلثاها لمن بناها والثلث لبائعها براحًا (¬1).
وذهب فيمن بني أرضًا اشتراها بوجه شبهة فبناها، إلى خلاف هذا. فجعل من حق من أتى فاستحقها أن يعطى قيمة البناء قائمًا فتصير الأرض وما فيها من بناء لمن استحقها لمن هو في يديه وباع ملك هذا المشتري عليه بغير اختياره. وجعل البناء في التفليس لا يباع على بانيه حتى يجبر على تسليمه بقيمته للبائع، وما ذلك عندي إلا لأجل أن من اشترى أرضًا من سوق المسلمين معتقدًا أن الذي باعها هو مالكها حقيقة، فبنى فيها بناء يعتقد أنه مباح له فظهر أنه أخطأ في اعتقاده، وبنى في أرض غصبها بائعها منه، ولم يسقط ملك المغصوب منه الأرض عنها على حال، ولا تغير ولا تبدّل، فكان استحقاقه لأرضه واضحًا، وحرمة ملكه متأكدة، وحرمة بناء المشتري غير متأكدة، لأنه ظهر أنه بني في أرض لا يملكها، ولو اطلع على باطن الأمر ما حل له التمسك بها ولا البناء فيها، فلما قوي أمر المستحق وضعف أمر هذا المشتري، حكم عليه بإخراج ما في يده من البناء بغير اختياره.
وأمّا من اشترى أرضًا من مالكها فبنى فيها، ففلس فإن بناءه صادف ملكًا محققًا له في الظاهر والباطن، واعتقاده أن البناء مباح له صواب لا غلط فيه، وإنما حدث عيب في ذمته أوجب للبائع الخيار في استرجاع ما في يديه ورده إلى ملكه بعد أن خرج على ملكه، فإن حُرمة بنائه متأكدة فلم يجبر على أن يسقط حقه في عين بنائه بأن يدفع إليه قيمته، ولم يجعل مالك ولا أحد من أصحابه البناء ها هنا فوْتًا أحال العين وغيَّرها حتى يسقط مقال بائعها في ارتجاعها، ولا يكون له إلا طلب الثمن والمحاصة به. لكنهم اختلفوا فيمن اشترى أرضًا فبنى فيها، ثم اطلع على عيب: هل بناؤها فوت يمنع الرد بالعيب ويوجب أخذ قيمته، أو لا يكون ذلك فوتًا.
¬__________
(¬1) الموطأ: 2/ 211 - 212 في 1982.

الصفحة 353