كتاب شرح التلقين (اسم الجزء: 3/ 1)

وأشار بعض أشياخي إلى تخريج الخلاف من هذه في الفلس إذا بني.
وأشار أيضًا إلى اختلاف مقدار البناء والنفقة فيه، فيكون الكثير فيه يفيت الأرض والقليل لا يفيتها.
فأمّا تخريجه الخلاف من مسألة العيب، فقد يدافع فيه، ويقال له: إن العيب لما كان من جهة البائع ويتّهم فيه بالتدليس بأنه أسقط حقه في إمضاء البيع على ما هو عليه، بأن يرضى المشتري به أو ينقضه ويأخذ ثمنه. والتفليس لا يتصور فيه من جانب البائع تفريط ولا تلحقه تهمة.
وأما إشارته أيضًا إلى اعتبار البناء بالقلة والكثرة فإن ظاهر المذهب يمنعه من ذلك. وذلك أن مالكًا ذكر في الموطأ ما حكيناه عنه من كون الشركة واجبة بقيمة البناء وقيمة الأرض. ومثّل ذلك بأن يكون قيمة البناء ألفًا وقيمة الأرض خمسمائة، ولم ير ذلك فوتًا، وإن كان قيمة البناء الثلثين وقيمة الأرض الثلث.
لكن أشار بعض أصحاب الشافعي إلى هذه الطريقة وحمل كلام الشافعي عليها.
وذلك أن الشافعي ذهب في هذه المسألة إلى أنه إذا وقع التفليس وأراد البائع ارتجاع المبيع، فيقال للبنّاء (¬1): أقلع بناءك وغرسك حتى تردّ إليه الأرض براحًا كما اشتريتها، فلا يبقى له مقال. ولو كان في قلع الغرس والبناء ما يعيب الأرض فإن الشافعي ألزم المشتري قيمة هذا العيب إذا اختار البائع ارتجاع الأرض؛ لأنه عيب أحدثه ليُخلّص ملكه في يديه، فيجب أن يطالبَ بأرش ما جناه على ملك الغير، لكونه جنى هذه الجناية على ملك الغير لمنفعة نفسه وتخليص ملكه. قال الشافعي وإن لم يساعده المشتري على قلع بنائه وغرسه قيل للبائع: ادفع إليه قيمة بنائه، نحو ما نقوله نحن في بناء المشتري بوجه شبهة ثم استحقّت عليه الأرض. فإن امتنع البائع من دفع قيمة البناء، فقال الشافعي: يسقط حقه في ارتجاع أرضه ولا يكون له إلا المحاصّة. وقال في بعض كتبه أيضًا: لا يسقط حقه في عين أرضه. فالمزني وغيره من أصحابه يحل ذلك على اختلاف
¬__________
(¬1) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: للباني.

الصفحة 354