بعادةٍ جرى ذلك على القولين فيمن فرغ من صنعته ثم ضاع المصنوع ببينة بعد فراغ العمل فيه، قولان: أحدهما أنه يستحق الإجارة بفراغه من العمل، بناء على أن الثوب (¬1) قبض الصنعة لما فرغ الصانع منها وأكملها، فصار قبض الثوب لها كقبض مالك الثوب. ولو وقع التفليس بعد أن سلّم الصانع لأربابه لكانوا أسوة فيجري على هذه الطريقة إذا قلنا: إنهم أسوة وقلنا إن الصنعة إذا كملت في الثوب صار ذلك كقبض مالكه الثوب، إلا أن يكون الصانع له إمساك الثوب حتى يستوفي الأجرة.
وهذا التخريج قد يُتعقب يكون من باع سلعة فمِن حقه إمساكها حتى يأخذ الثمن. وليس هذا الحكم بمقتضى العادة، وإنما هو بمقتضى الشرع على ما أدى إليه النظر من ذهب إلى أن المشتري يقدَّم بدفع الثمن قبل أن يقبض المبيع.
ومن سلك هذا فلم يستند إلى العوائد إلى (¬2) ما ذكرناه من كتاب البيوع.
وإذا كان الأمر كذلك فليكن ذلك الرهن شرعًا والرهن من حق مرتهنه أن يمسكه حتى يستوفي دينه في الفلس وفي الموت، فيكون ما ذكره أهل المذهب من هذا جاريًا على هذا الأصل الذي قدمناه سواء كانت عادة أو لم تكن، وسواء كان الثوب كالقابض للصنعة أو لم يكن؛ لأن الثوب وإن كان قابضًا لها أيضًا مقبوض للصانع، فالصانع قابض للقابض فيكون من حقه أن يحبس الصنعة وما حلت فيه، وإن كان قابضًا لصنعته لأن الكل مقبوض في يده، فلا يجري ذلك مجرى من أسلم (¬3) الثوب إلى ربه، لأن يده زالت عنه بالمشاهدة فيحسن أن يقال: إنه أسوة، بخلاف ما لم تزل عنه يده، ولا عمّا حل فيه.
وأما الاختلاف في الإجارة فقد بيّنا على أنه من باع سلعة فضمانها منه حتى يمكّن المشتري من قبضها فيتركه باختياره. أو يكون يضمن المبيع بالعقد
¬__________
(¬1) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: صاحب الثوب.
(¬2) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: على.
(¬3) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: سلّم.