كتاب شرح التلقين (اسم الجزء: 3/ 1)

وذهب الشافعي إلى أنه لا يكون صاحب الأرض أحق لا في الفلس ولا في الموت. ورأى أن الحديث الوارد يكون بائع السلعة أحق، قد اشترط فيه: إذا وجدها بعينها، وهذا إنما باع منافع وقد فاتت وليست موجودة، فلا يكون أحق فات (¬1) لاستحالة وجود عين يشار إليها بأنه أحق بها.
وكذلك عنده لو اشترى ماء فسقى به الزرع، فإن صاحب الماء لا يكون أحق بالزرع. وكأن مالكًا وأصحابه قدّروا أن صاحب الأرض لما أكراها، ومعلوم أن ذلك الزرع الذي نَبْتُهُ فيها عنها (¬2) يكون وكأنه بعض أجزائها صار صاحب الأرض وكأنه بائع الطعام، وقد وجد طعامه بعينه، فيكون أحق به في الفلس وأسوة في الموت كمن باع سلعة بعينها.
ومن ذهب من أصحابنا إلى أنه يكون أحق في الموت أيضًا كما كان أحق في الفلس قدّر أن الزرع لِمَا يكون من الأرض وصارت الأرض كالحائزة له فحوزها له كحوز صاحبها، فكأن بائع هذا الطعام باعه ولم يخرج من يده، فيكون أحق به في الموت والفلس كما لو باع سلعة معينة ففلس مشتريها وهي في يد بائعها.
وأشار الشافعي إلى الرد على ما ذهب إليه مالك بأن من اشترى طعامًا فعلفه دابته فإن بائع العلف لا يكون له حق في الدابة، وإن كان بعض أجزاء الدابة تولّد عن العلف. وأشار أيضًا إلى أنه لا يوقف على حقيقة ما كان عن الأرض وعن البذر ولا يعلم حقيقة ذلك إلا الله سبحانه، فلما استحال العلم هنا بحقيقة ذلك لم يمكن أن يُعلق الحكم بما لم نعلم حقيقته.
ولنا نحن أن نجيب عن هذا بأنه وإن لم نعلم حقيقة ذلك فإن التغليب في مثل هذا مما جرى في الشرع أمثاله، فنغلب ها هنا حكم الأرض لأن ما نبت
¬__________
(¬1) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: بما فات.
(¬2) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: تولّد عنها.

الصفحة 369