كتاب مبحث الاجتهاد والخلاف (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثالث)

وقال ابن القيم أيضا 1 إذا سئل عن مسألة فيها نص أو إجماع، فعليه أن يبلغه بحسب الإمكان، فمن علم علما فكتمه، ألجمه الله بلجام من نار، فإن لم يأمن غائلة الفتوى، وخاف أن يترتب عليها شيء أكبر من الإمساك عنها أمسك ترجيحا لدفع أعلى المفسدتين، وقد أمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن نقض الكعبة لأجل حدثان عهد قريش بالإسلام، وأن ذلك ربما نفرهم عنه بعد الدخول فيه.
وكذلك إن كان عقل السائل لا يحتمل الجواب، كما قال ابن عباس لرجل سأله عن تفسير آية: وما يؤمنك أني لو أخبرتك بتفسيرها كفرت به؟ أي جحدته وأنكرته فكفرت به، ولم يرد أنك تكفر بالله تعالى ورسوله.
ويجوز أن يعدل عن جواب المستفتي عما سأل عنه إلى ما هو أنفع له، ولا سيما إذا تضمن جواب ما سأل عنه، قال تعالى: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} 2 فسألوه عن المنفق، فأجابهم بذكر المصرف، إذ هو أهم مما سألوا عنه، ونبههم عليه بالسياق، مع ذكره لهم في موضع آخر، وهو قوله تعالى: {قُلِ الْعَفْوَ} 3، وهو ما سهل عليهم إنفاقه، ولم يضرهم إخراجه، وقد ظن بعضهم أن من ذلك قوله:
__________
1 في إعلام الموقعين ج 4 ص 157 نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
2 سورة البقرة آية: 215.
3 سورة البقرة آية: 219.

الصفحة 36