كتاب شرح التلقين (اسم الجزء: 3/ 2)

وهم يدافعون هذا بأن هذه ليست بحمالة، وإنما هو كالعِدَة وكالتبرع والتطوع بقضاء حق عن آخر، من غير أن يكون كفيلا به
وظاهر سياق الحديث يقتضى خلاف ما تأولوه لأنه - صلى الله عليه وسلم - امتنع من الصلاة على هذا الميت. فلما قال أبو قتادة: عليّ دينه صلى عليه. فلولا أن هذه حمالة لم يصل عليه لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - في أول الإِسلام لا يصلي على من مات وعليه دين، وما ذلك إلا تحضيضا على الوفاء بالديون.
وأيضًا فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانت تقتضي الغفران للميت وتحجزه عن النار" (¬1).
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "نفس المؤمن مرتهنة بدينه حتى يقضى عنه" (¬2) فكأنه إذا كان مرتهنًا بدينه كالمحجوز عن الجنة، فصارت صلاته كالمنافية لما قال. وقد قال لما صلى على السوداء التي كانت تَقُمّ المسجد: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله نورها بصلاتي عليهم" (¬3)، فلما فتح الله الفتوح قضى الديون عن الغرماء، فقال: من ترك مالًا فلورثته ومن ترك كلًّا فعليّ" (¬4).
وهذا الذي رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع وإن لم يكن نصا في الحمالة فقد روى الحديث، جابر فقال فيه: "مات وعليه ديناران فتحملها أبو قتادة فقال - صلى الله عليه وسلم -: هي عليك والغريم منها بريء" (¬5) فهذه الرواية قد صرح فيها بلفظ الحمالة فلا مطمع لهم في تأويلها على غير الحمالة.
وهكذا روي أيضًا "أن رجلًا مات وعليه درهمان فلم يصل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال علي رضي الله عنه: هي عليّ فصلى علمه، وقال له عليه السلام: جزاك
¬__________
(¬1)
(¬2) البيهقي: السنن الكبرى: 6/ 75. الترمذي: الجامع الكبير: 2/ 375
(¬3) فتح الباري: 3/ 448 - البيهقي: السنن الكبرى: 4/ 46، 47، 48
(¬4) مسلم: إكمال الإكمال: 4: 324
(¬5) البيهقي: السنن الكبرى: 6/ 75

الصفحة 142