كتاب جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول - رسالة ماجستير (اسم الجزء: 2)

كقوله تعالى حكايةً عن المنادي (¬1) الذي بعثه يوسف عليه السلام: {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} (¬2) فيستدل به على جواز الضمان (¬3) ،
وكذلك قوله تعالى حكايةً عن شُعَيْب (¬4) وموسى عليهما السلام: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ} (¬5) الآية يستدل بها على جواز الإجارة (¬6) ، بناءً على أن شرع من قبلنا شرع لنا أم لا؟.
أما ما لا يثبت إلا بأقوالهم فلا يكون حجة لعدم صحة السند وانقطاعه. ورواية الكفار لو وقعتْ (¬7) لم تقبل، فكيف وليس في (¬8) أهل الكتاب مَنْ يروي التوراة فضْلاً عن غيرها؟!. وما لا رواية فيه كيف يخطر بالبال أنه حجة؟!
¬_________
(¬1) لم تذكر كتب التفسير ولا كتب مبهمات القرآن ـ فيما اطلعت عليه ـ اسم المنادى، وهو المؤذِّن في قوله تعالى: { ... ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70] . لكنَّه فتى من فتيان الملكِ عزيز مصر. انظر: فتح القدير للشوكاني 3/44.
(¬2) يوسف، من الآية: 72. والزعيم: الكفيل. انظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني مادة " زعم ".
(¬3) الضمان لغة: الالتزام. المصباح المنير، مادة " ضمن ". اصطلاحاً: عرّفه ابن عرفة بأنه ((التزام دَيْنٍ لا يُسْقِطُه أو طَلَبِ مَنْ هو عليه لمن هو له)) حدود ابن عرفة بشرحه للرصَّاع 2 / 427. وقد أشار المصنف إلى الاستدلال بالآية على مشروعية الضمان في كتابه: الذخيرة 9 / 189.

وهذه الآية {وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] يستدلُّ بها أيضاً على مشروعية الجعالة. ذكر ذلك القرافي في الذخيرة (6/5) ويستدل بها أيضاً على صحة ضمان المجهول. انظر: أحكام القرآن لابن العربي 3/64، المغني لابن قدامة 7 / 73.
(¬4) ذكر ابن كثير أن المفسرين اختلفوا في رَجُل مَدْين على أقوال منها: أنه شعيب النبي عليه السلام وهو القول المشهور عند كثيرين، ومنها: أنه ابن أخي شعيب عليه السلام، وقيل: رجل مؤمن من قوم شعيب عليه السلام، ثم رَدَّ القول بأنه شعيب عليه السلام، وكذلك رَدَّ هذا القول الشيخ عبد الرحمن السعدي بحجج وبراهين قوية. قال ابن جرير الطبري: ((وهذا مما لا يُدرك علمه إلا بخبرٍ، ولا خبر بذلك تجب حجته، فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله جلَّ ثناؤه ... )) جامع البيان مجلد 11 / جزء 20/77. وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 6/238، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان للسعدي 4 / 16.
(¬5) القصص، من الآية: 27.
(¬6) الإجارة لغة: الكِراء على العمل. معجم المقاييس في اللغة لابن فارس مادة " أجر ". واصطلاحاً: عَقْد مُعاوَضَة على تمليك منفعة بعِوَضٍ بما يدلُّ على تمليك المنفعة من لفظٍ أو غيره. الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للدردير 4 / 6.
واستدلَّ المصنف بآية [القصص: 27] على أصل مشروعية الإجارة. انظر: الذخيرة 5/371. واستخرج ابن العربي ثلاثين مسألة من هذه الأية، واستنبط منها أحكاماً كثيرة. راجع: أحكام القرآن 3 / 494.
(¬7) هنا زيادة ((رواية)) في س، وفي ن زيادة ((الرواية)) . كلتاهما لا حاجة لهما.
(¬8) في ق: ((من)) .

الصفحة 34