كتاب جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول - رسالة ماجستير (اسم الجزء: 2)

وثالثها: أنه صلى الله عليه وسلم صَوَّب مُعاذاً في حكمه باجتهاد نفسه إذا عَدِم الحُكْمَ في الكتاب والسنة (¬1) ،
وذلك يقتضي أنه لا يلزمه (¬2) اتباع الشرائع المتقدمة.
والجواب عن الأول: أنه قد تَقَدَّم (¬3) أن شرع من قبلنا إنما يلزمنا إذا علمناه (¬4)
¬_________
(¬1) حديث معاذ رضي الله عنه: أن رسول الله لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال:» كيف تقضي إذا عرض لك

قضاء؟ «قال: أقضي بكتاب الله. قال:» فإن لم تجد في كتاب الله؟ «قال: فبسنَّة رسول الله. قال:» فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله؟ «قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صدره فقال:» الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسولَ الله «.
رواه الإمام أحمد 5/230، 236، 242، وأبوداود (3592، 3593) ، والترمذي (1327) ، والدارمي 1/72 وغيرهم. واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، وطال الكلام فيه.
? ... فممن ضَعَّفه: البخاري في التاريخ الكبير (2/277) ، والترمذي في سننه (1327) ، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/758) ، والجوزقاني في: الأباطيل والمناكير (1/106) وقال: ((هذا حديث باطل ... ، واعلم أنني تصفَّحتُ عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألتُ من لقيته من أهل العلم بالنقل عنه، فلم أجد له طريقاً غير هذا، ... . وبمثل هذا الإسناد لا يعتمد عليه في أصلٍ من أصول الشريعة، فإن قيل لك: إن الفقهاء قاطبةً أوردوه في كتبهم واعتمدوا عليه؟ فقل: هذا طريقه، والخَلَف قلّد فيه السلف، فإن أظهروا غير هذا مما ثبت عند أهل النقل رجعنا إلى قولهم، وهذا مما لا يمكنهم ألبتة)) . وممن ضعفَّه ابن حزم في الإحكام (2/428، 211) ، وابن الملقّن في خلاصة البدر المنير (2/424) وممن ضعفه أيضاً: العُقيلي، والدارقطني، وابن طاهر، وعبد الحق الإشبيلي، والسبكي، انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/286) رقم الحديث (881) للألباني، وصحح الألباني معنى الحديث فيما يتعلق بالاجتهاد عند فقدان النص، لكنه أنكر صحة المعنى في التفريق بين الكتاب والسنة، فالواجب ـ عنده ـ النظر في السنة وإن وُجد الحكم في الكتاب لأنها مبّينة له.
? ... وممن صَحَّح الحديث: الذين ذكرهم ابن حجر في قوله: ((وقد أطلق صِحَّته جماعة من الفقهاء كالباقلاني، وأبي الطيب الطبري، وإمام الحرمين، لشهرته وتلقي العلماء له بالقبول. وله شاهدٌ صحيح الإسناد، لكنه موقوف)) موافقة الخُبْر الخَبَرَ في تخريج أحاديث المختصر (1/119) . وصححه العظيم أبادي في عون المعبود (9/369) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/364) وقال: ((وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد)) ، وكذا قال ابن كثير في مقدمة تفسيره (1/13) ، وحسَّنه الذهبي في تلخيص العلل المتناهية ص (269) وقال: ((وهذا حديث حسن الإسناد، ومعناه صحيح)) وقال في سير أعلام النبلاء (18/472) ((فإسناده صالح)) وقال الشوكاني: ((وهو حديث مشهور، له طرق متعددة، ينتهض مجموعها للحُجِّية، كما أوضحنا ذلك في مجموعٍ مستقلٍّ)) إرشاد الفحول (2/322) فالحديث صالحٌ للاحتجاج به وإن كان في إسناده ضَعْفٌ وجهالةٌ؛ لكنه يعتضد بقبول العلماء له، والآثار الصحيحة الموقوفة على الصحابة رضي الله عنهم. والله أعلم.
(¬2) في ق: ((يلزم)) .
(¬3) انظر: ص 33 - 34.
(¬4) في ن: ((علمنا)) .

الصفحة 38