كتاب جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول - رسالة ماجستير (اسم الجزء: 2)

وأما الإجماع: فلأن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لما أخبرتهم عائشة رضي الله عنها بأنه صلى الله عليه وسلم اغتسل من التقاء الخِتَانَيْن (¬1) ، رجعوا إلى ذلك بعد اختلافهم، وذلك يدلُّ على أنَّه عندهم محمول على الوجوب. ولأنهم (¬2) واصلوا الصيام لمَّا (¬3) واصل (¬4) ،
وخلعوا نِعَالهم لمَّا (¬5) خلع صلى الله عليه وسلم (¬6) ، وكانوا شديدين الاتباعَ له صلى الله عليه وسلم في أفعاله.
وأما المعقول فمن وجهين:
الأول: أن فعله صلى الله عليه وسلم يجوز أن يكون المراد به الوجوب، ويجوز أن لا يكون، والاحتياط يقتضي حمله على الوجوب (¬7) .
¬_________
(¬1) حديث اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الغسل من التقاء الختانين واحتجاج عائشة رضي الله عنها بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، انظره في: المصنّف لعبد الرازق 1/249، شرح معاني الآثار للطحاوي (1/58) ، كما ورد موقوفاً على عائشة رضي الله عنها قولها: ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ... )) . أخرجه النسائي (196) ، والترمذي (108) وقال: ((حسن صحيح)) ، وابن ماجه (608) وغيرهم، وصححه ابن كثير في كتابه: تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ص 114، وانظر: المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر للزركشي ص 53، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني 1/121.
(¬2) في س: ((وأنهم)) .
(¬3) في ن: ((كما)) .
(¬4) في س: ((وصل)) . وحديث الوِصَال ورد بألفاظٍ مختلفةٍ من طرقٍ عِدَّةٍ في مصادر جَمَّةٍ. منها: ما رواه البخاري (1192) ومسلم (1102) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل، فواصل الناس فشقَّ عليهم، فنهاهم. قالوا: إنك تواصل. قال: ((لست كهيئتكم، إني أظَلُّ أطْعَم وأسْقَى)) . قال النووي في معنى الوصال:
((
هو صوم يومين فصاعداً من غير أكل أو شرب بينهما)) شرح صحيح مسلم (7/183) .
(¬5) في ق: ((كما)) .
(¬6) حديث خلع النعال من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "بينما رسول صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال:» ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ «قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله:» إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قَذراً، أو قال أذىً ... «الحديث. رواه الإمام أحمد (3/20، 92) ، وأبوداود (650) والحاكم (955) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه النووي في: المجموع شرح المهذب 30/140، والألباني في: إرواء الغليل 1/314.
(¬7) ذكر القرافي في نفائس الأصول (5/2322) بأن الاحتياط والرجحان تارة يكون في أفعال المكلفين، وتارة يكون في أدلة المجتهدين. ففي الأول: الاحتياط والرجحان يقتضي الندب. وفي الثاني: يقتضي الوجوب؛ لإجماع الأمة على أن المجتهد يجب عليه الفتيا بالراجح والعلم به. والاحتياط المذكور هنا هو احتياط في الدليل لا في الفعل.

الصفحة 7