كتاب جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول - رسالة ماجستير (اسم الجزء: 2)
وكذلك هاهنا، وهو القاعدة: أن كل بيان لمجملٍ يُعدُّ مراداً من ذلك المجمل، فكان التوجه لبيت المَقْدِس] (¬1) بالقرآن بهذه الطريقة (¬2) .
حجة الشافعي (¬3) رضي الله عنه قوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬4) فجعله عليه الصلاة والسلام مبيِّناً بالسنة للكتاب المنزل، فلا يكون الكتاب ناسخاً للسنة، لأن الناسخ مبيِّن للمنسوخ، فيكون كل واحد منهما مبيِّناً لصاحبه فيلزم الدَّوْر (¬5) .
والجواب عنه: أن الكتاب والسنة ليس كل واحد منهما محتاجاً للبيان، ولا وقع فيه النسخ، فأمكن أن يكون بعض الكتاب بياناً لبعض السنة، والبعض الآخر الذي لم يبينه الكتاب [بياناً للكتاب] فلا دور، لأنه لم يوجد شيئان (¬6) كل واحد منهما متوقف على الآخر، بل الذي يتوقف عليه من السنة غير متوقف، [والبعض المتوقف عليه من الكتاب غير متوقف (¬7) . سلمناه، لكنه معارَض بقوله تعالى في حق الكتاب العزيز: {تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} (¬8) ، والسنة شيء، فيكون الكتاب تبياناً لها، فينسخها وهو المطلوب (¬9) .
¬_________
(¬1) ما بين المعقوفين ساقط في س، من قوله [فكان ذلك مراداً بالآية ... - إلى قوله - ... لبيت المقدس] .
(¬2) انظر: نفائس الأصول 6 / 2486، نهاية السول 2 / 581، رفع النقاب القسم 2 / 417، منهج التحقيق والتوضيح للشيخ محمد جعيط 2 / 113 وقد جوّد هذا الكلام الطوفي في: شرح مختصر الروضة
(2 / 318) لكن الاصفهاني دفع هذا بأن كلام الرازي في محصوله (3 / 340) أن قبلة بيت المقدس لم تثبت بالكتاب نصاً ومنطوقاً، والذي ذكره القرافي هنا أنه كالمنطوق به، وفرق بين المنطوق به والمشبه بالمنطوق به. انظر: الكاشف عن المحصول 5 / 284.
(¬3) انظر معنى هذه الحجة في الرسالة للشافعي ص 111 - 113، وانظر: المحصول للرازي 3 / 342، نهاية السول 2 / 584.
(¬4) النحل، من الآية: 44.
(¬5) الدَّور لغة: مصدر، يدور، ومنه قولهم: دارت المسألة أي كلما تعلّقتْ بمحلٍّ توقفّ ثبوت الحكم على
غيره، فينتقل إليه، ثم يتوقّف على الأول وهكذا. المصباح المنير ص 202. واصطلاحاً: هو توقف كل واحدٍ من الشيئين على الآخر. الكليات للكفوي ص 447، وانظر التعريفات للجرجاني ص 140.
(¬6) في س: ((بيان)) .
(¬7) انظر هذا الجواب في: شرح مختصر الروضة للطوفي 2 / 317، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب
2 / 197.
(¬8) النحل، من الآية 89 قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} .
(¬9) انظر: أصول السرخسي 2 / 76. وهناك جواب آخر ذكره الرازي في محصوله (3 / 343) فانظره.