كتاب مقدمة إملاء الاستذكار للحافظ أبي عمر ابن عبد البر القرطبي

أحمد بن صاعد الطليطلي (¬1) يقول: "أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمرى أعلم من كان بالأندلس قبله بالآثار، والسنن واختلاف علماء الأمصار، وكان في أوّل زمانه ظاهري المذهب مدة طويلة، ثم رجع عن ذلك إلى القول بالقياس من غير تقليد أحد (¬2)؛ إلاَّ أنه كثيراً ما يميل إلى مذاهب (¬3) الشافعي (¬4)، وله تواليف شريفة (¬5) مشهورة، وولد في شهر ربيع الأول سنة ثمان وستين وثلاثمائة (¬6).
¬__________
(¬1) هو صاعد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن صاعد التغلبي، أبو القاسم الطليطلي، روى عن أبي محمد ابن حزم وأبي الوليد الوقشي، مولده بالمرية سنة 420 هـ، قال ابن بشكوال: "وكان من أهل المعرفة الذكاء والرواية والدراية، وهو صاحب كتاب طبقات الأمم"، توفي بطليطلة وهو قاضيها سنة 462 هـ. (انظر ترجمته في: الصلة 1/ 33، وبغية الملتمس ص 331، الوافي بالوفيات للصفدي 16/ 232).
(¬2) في م: لأحد.
(¬3) في م: مذهب.
(¬4) لا خلاف بين المصادر في أن ابن عبد البر كان ظاهرياً أثرياً لمدة طويلة، ثم رجع إلى القول بالقياس، لكن اختُلف في تحديد المذهب الفقهي الذي استقر عليه، فذهب الحميدي إلى أن ابن عبد البر يميل في الفقه إلى مذهب الشافعي رحمه الله، وجَنَحَ الذهبي إلى أنه مالكي، وجزم ابن كثير بأنه كان مالكياً مع ميل إلى أقوال الشافعي، وخالف الكتاني الآراء السابقة ورأى أنه كان من المجتهدين مع اعتماده ورجوعه لأصول مالك ومذهبه، وقال: "وأقل نظرة يرسلها الرجل في كتاب فضل العلم له يرى الأمر جلياً"، قلت: ومن تأمل اختيارات ابن عبد البر الفقهية من خلال كتبه تبين له أن قول الكتاني هو الأقرب للصواب، والله أعلم. (وراجع في هذا: جذوة المقتبس، ص 367، والسير 18/ 157، وطبقات الشافعية لابن كثير ل 142/ ب (مخطوط)، وفهرس الفهارس 2/ 843، وانظر أيضاً: جامع بيان العلم وفضله 2/ 80، 81، 115).
(¬5) في م: كثيرة.
(¬6) الصواب في ولادته هو ما نقله ابن بشكوال في الصلة (2/ 642) عن أبي علي الغساني أنه قال: سمعت طاهر بن مفوز يقول: سمعت أبا عمر يقول: ولدت يوم الجمعة والإمام يخطب لخمس بقين من ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة، وهو اليوم التاسع =

الصفحة 43