كتاب بحث في إجابة الدعوة

الوجه الثاني:
ما حكاه ابن عبد البر1 بعد قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله" قال على أنه يحتمل والله أعلم من لم ير إتيان الدعوة فقد عصى الله ورسوله وهذا أحسن وجه حمل عليه هذا الحديث إن شاء الله. ا?.
وفي هذا نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق العصيان على عدم الإتيان لا على الاعتقاد والأصل حمل اللفظ على حقيقته إلا بقرينة تدل على أن هذا الظاهر غير مراد2.
__________
1 التمهيد (1/272) .
2 فإن قيل: إن حديث أبي هريرة موقوف أجيب عن ذلك بما قاله الحافظ في الفتح (9/244) : أول هذا الحديث موقوف ولكن آخره يقتضي رفعه ذكر ذلك ابن بطال قال: ومثله حديث أبي الشعثاء أن أبا هريرة أبصر رجلاً خارجاً من المسجد بعد الأذان فقال: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم".
ومثل هذا لا يكون رأياً ولهذا أدخله الأئمة في مسانيدهم.
وذكر ابن عبد البر: أن جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه وقال فيه روح بن القاسم عن مالك بسنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذا أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن مالك.
وقد أخرجه مسلم من رواية معمر وسفيان بن عيينة عن الزهري شيخ مالك وكما قال مالك ومن رواية أبي الزناد عن الأعرج كذلك والأعرج شيخ الزهري فيه هو عبد الرحمن كما وقع في رواية سفيان قال: سألت الزهري فقال: حدثني عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة فذكره.
ولسفيان فيه شيخ آخر بإسناد آخر إلى أبي هريرة صرح فيه برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه مسلم أيضاً من طريق سفيان سمعت زياد بن سعد يقول: سمعت ثابتاً الأعرج يحدث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر نحوه.
وكذا أخرجه أبو الشيخ من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعاً صريحاً وأخرج له شاهداً من حديث ابن عمر كذلك.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (10/175) : هذا حديث مسند عندهم لقول أبي هريرة "فقد عصى الله ورسوله" وهو مثل حديث أبي الشعثاء عن أبي هريرة رأى رجلاً خارجاً من المسجد بعد الأذان فقال: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"، ولا يختلفون في هذا وذاك أنهما مسندان مرفوعان.

الصفحة 121