كتاب إبراهيم بن محمد بن سفيان رواياته وزياداته وتعليقاته على صحيح مسلم

__________
ثم إنَّهما بيَّنا منشأ الوهم في الرواية بأنَّ الوليد بن عتبة لم يكن في وقت وقوع القصة مولوداً، أو كان طفلاً صغيراً، وقد أُتي به النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ليمسح على رأسه وهو صبي، لكن ما ذهبا إليه فيه نظر؛ إذ تقدَّم ترجيح الحافظ ابن حجر أنَّه كان رجلاً في ذلك الوقت.
والذي يظهر أنَّ الوهم حصل من شيخ مسلم، عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان الجعفي الملقب بمشكدانة، فهو صدوق كما قال أبو حاتم وابن حجر. الجرح والتعديل (5/111) ، والتقريب (ص:315) ، أما الذهبي فوثَّقه في الكاشف (2/578) . ولو سُلِّم توثيقه فلا يُسلَّم عدم وهمه في هذا الحديث، بدليل فعل مسلم حيث أخرج الحديث مرَّة أخرى عن شيخه أبي بكر بن أبي شيبة - وهو من هو - عن جعفر بن عون، عن الثوري على الصواب، وفيه: (الوليد بن عتبة) ، وهذا مما يدل على براعة الإمام مسلم وعلوِّ كعبه في علم العلل، وسيأتي في التخريج أنَّ مشكدانة روى الرواية المحفوظة أيضاً موافقاً الثقات.
أما شيخ عبد الله، فهو عبد الرحيم بن سليمان المروزي، وهو ثقة. الكاشف (1/650) ، والتقريب (ص:354) . وشيخه زكرياء بن أبي زائد ثقة يدلس، وهو وإن كان قد روى الحديث بالعنعنة، وسماعه من أبي إسحاق بآخرة كما قال الحافظ ابن حجر فقد روى الحديث مرة أخرى - من غير طريق شيخ مسلم - بذكر (الوليد بن عقبة) ، ممَّا يدل على أنَّه بريء من تهمة الوهم في هذا الحديث، والله أعلم. انظر: التقريب (ص:216) ، وتخريج الحديث كما سيأتي.
تخريج الحديث:
حديث عبد الله بن مسعود أخرجه غير واحد من الأئمة من طرق عن أبي إسحاق السبيعي، وبعضهم يذكر الوليد بن عقبة أو الوليد بن عتبة ضمن من دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعضهم لم يذكره، وسأقتصر في التخريج على من ذكره لبيان أنَّ من قال: (الوليد بن عقبة) فقد وهم، وأنَّ الصحيح: (الوليد بن عتبة) .
فقد أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/279) . والخطيب البغدادي في الأسماء المبهمة (ص:239) (120) . كلاهما من طريق مشكدانة شيخ الإمام مسلم، به
وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه (4/287) (6775) من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، كلاهما عن زكريا.
وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه (7/332) كتاب المغازي، باب: في أذى قريش للنبي صلى الله عليه وسلم (36563) . والبخاري في صحيحه (مع الفتح 6/106) كتاب الجهاد، باب: الدعاء على المشركين (2934) . ومسلم في صحيحه - الموضع السابق -. وأبو يعلى في مسنده (9/211) (5312) . واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (4/763) (1418،1419) . والبيهقي في دلائل النبوة (2/279) . وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (2/803،804) (844،845) .
سبعتهم من طريق سفيان الثوري.
وأخرجه البخاري في صحيحه (مع الفتح 1/594) كتاب الصلاة، باب: المرأة تطرح عن المصلي شيئاً (520) . وأبو عوانة في الموضع السابق (6776) . والهيثم بن كليب في مسنده (2/135) (675) . وابن بشكوال في الموضع السابق (846،847) . والبيهقي في السنن الكبرى (9/7) .
خمستهم من طريق إسرائيل بن أبي يونس السبيعي.
وأخرجه البخاري في صحيحه (مع الفتح 7/293) كتاب المغازي، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على كفار قريش (3960) . وأبو عوانة في مستخرجه (4/286) (6774) . كلاهما من طريق زهير بن معاوية.
جميع من تقدَّم ذكرهم، وعددهم أربعة (زكرياء، والثوري، وإسرائيل، وزهير) رووه عن أبي إسحاق السبيعي، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، الحديث بتمامه. وجاء في رواية الجميع: (الوليد بن عتبة) بالتاء على الصحيح.
وهذه الرواية الثانية لزكريا بن أبي زائدة هي المحفوظة؛ لأنَّه تابع فيها الثقات، وأما روايته الأولى التي أخرجها مسلم، وفيها: (الوليد بن عقبة) بالقاف فلم أجد من أخرجها غيره، وربما كان ذلك لبيان علَّتها، خاصة وأنَّه روى الحديث على الصحيح من طريق سفيان الثوري كما تقدَّم، والله أعلم.

الصفحة 221