كتاب الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء

وتابعه بكّار بن عبد الله1 عن مهدي بن جعفر عن مالك، ولم يذكر شيخه جعفر بن عبد الله.
أخرجه ابن عبد البر في التمهيد2، أخبرنا محمد بن عبد الملك قال: حدّثنا عبد الله بن يونس قال: حدّثنا بقيُّ بن مخلد قال: حدّثنا بكار بن عبد الله القرشي قال: حدّثنا مهدي بن جعفر عن مالك ابن أنس أنَّه سُئل عن قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} : كيف استوى؟، قال: فأطرق مالك ثم قال:"استواؤه مجهول3، والفعل منه غير معقول، والمسألة عن هذا بدعة".
وتابعه أيضاً الإمام الدارمي، قال في كتابه الردّ على الجهميّة: حدّثنا مهدي بن جعفر الرملي ثنا جعفر بن عبد الله وكان من أهل الحديث ثقة عن رجل قد سمّاه لي، قال: جاء رجل إلى مالك ابن أنس، وذكره4.
فزاد في إسناده بعد جعفر بن عبد الله:"عن رجل".
ومهدي بن جعفر صدوق له أوهام وقد اضطرب في روايته لهذه القصة، فرواها مرّة عن شيخه جعفر بن عبد الله عن مالك، ورواها مرّة أخرى عن شيخه جعفر عن رجل عن مالك، ورواها مرّة ثالثة عن مالك مباشرة، وهذا
__________
1 هو بكار بن عبد الله بن بسر بن أرطاة الدمشقي القرشي.
روى عن أسد بن موسى، وروى عنه أحمد بن أبي الحواري وأبو حاتم وأبو زرعة.
قال ابن أبي حاتم:"كتبت عنه عن أبي وسألته عن بكار هذا؟ فقال: (هو صدوق) ، الجرح والتعديل (1/1/410) .
(7/151) .
3 كذا وردت العبارة في التمهيد وهي يقيناً محرّفة، والصواب كما في الطرق المتقدِّمة للأثر وغيرها"استواؤه غير مجهول"، وقد أفادني أحد طلاَّب العلم الثقات باطّلاعه على النسخة الخطية للتمهيد في المغرب ووجد لفظة [غير] ملحقة بالهامش من الناسخ، ثم وقفت على مصورة لها فوجدت الأمر كذلك.
4 الردّ على الجهميّة (ص:55،56) .
5- وعن ابن شبرمة رحمه الله قال: "من المسائل مسائل لا يجوز للسائل أن يسأل عنها، ولا للمسؤول أن يجيب فيها".
6- وعن عمران بن عبد الله الخزاعي قال: مرّ القاسم بن محمد بقوم يتكلّمون في القدر فقال: "انظروا ما ذكر الله في القرآن فتكلموا فيه وما كفّ الله عنه فكفُّوا".
7- وعن إبراهيم النخعي قال: "كانوا لا يسألون إلاّ عن الحاجة".
8- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إذا أراد الله بعبد خيراً سدده وجعل سؤاله عما يعنيه وعلمه فيما ينفعه".
وذكر آثاراً أُخر ثم قال: "فالعجب يا إخواني رحمكم الله لقوم حيارى تاهت عقولهم عن طرقات الهدى، فذهبت تند محاضره في أودية الردى، تركوا ما قدّمه الله عز وجل في وحيه وافترضه على خلقه، وتعبَّدَهم بطلبه وأمرهم بالنظر والعمل به، وأقبلوا على ما لم يجدوه في كتاب ناطق ولا تقدمهم فيه سلَف سابق، فشغلوا به وفرّغوا له آراءهم وجعلوه ديناً يدعون إليه ويعادون من خالفهم عليه، أما علم الزائغون مفاتيح أبواب الكفر ومعالم أسباب الشرك، التكلف لما لم تحط الخلائق به علماً به، ولم يأت القرآن بتأويله ولا أباحت السنة النظر فيه، فتزيد الناقص الحقير والأحمق الصغير بقوته الضعيفة، وعقله القصير، أن يهجم على سر الله المحجوب، ويتناول علمه بالغيوب يريدها لنفسه، وطوى عليها علمها دون خلقه، فلم يحيطوا من علمها إلاّ بما شاء، ولا يعلمون منها إلاّ ما يريد، فكلما لم ينزل الوحي بذكره ولم تأت السنة بشرحه من مكنون علم الله ومخزون غيبه وخفي أقداره فليس للعباد أن يتكلّفوا من علمه ما لا يعلمون، ولا يتحمّلوا من نقله ما لا يطيقون، فإنه لن يعدو رجل كلف ذلك نظره وقلّب فيه فكره أن يكون كالناظرين في عين الشمس ليعرف قدرها، أو

الصفحة 40