كتاب الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء

7- رواية عبد الله بن نافع1.
قال الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله -: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن2، قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ابن مالك3، قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل4، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا سريج بن
__________
1 روى عن مالك رجلان بهذا الاسم:
أحدهما: عبد الله بن نافع الصائغ (ت206هـ) .
والثاني: عبد الله بن نافع حفيد ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوّام، ولذلك يُقال له: الزبيري، كما يُعرف بعبد الله بن نافع الصغير (ت216هـ) .
ولم يتضح لي من خلال رواية ابن عبد البر هذه أيّهما المراد، وقد قال الذهبي في السير (10/372) :"وكثيراً ما تختلط روايتهم عند الفقهاء حتى لا علم عند أكثرهم بأنّهما رجلان"، ونقل قبل ذلك عن ترتيب المدارك للقاضي عياض أنَّ سحنوناً كان يرى وجوب بيانهما، وإن كانا ثقتين إمامين حتى لا تختلط روايتهما.
قال:"فإنَّ الصائغ أكبر وأقدم وأثبت في مالك لطول صحبته له".
وقد قال الحافظ ابن حجر في التقريب في الصائغ:"ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين"، وقال في الزبيري:"صدوق".
فليس في الأمر كبير إشكال؛ إذ حديث كل منهما لا ينزل عن درجة الحسن.
2 عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، أبو محمد يعرف بابن الزيات، توفي سنة (390هـ) .
انظر: جذوة المقتبس للحميدي (ص:252) ، وبغية الملتمس للضبي (ص:332) ، وفهرست ابن خير (ص:102،104) ، وتذكرة الحفاظ للذهبي (ص:1511) .
3 أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب البغدادي، أبو بكر القطيعي، راوي مسند أحمد، قال فيه الدارقطني:"ثقة زاهد قديم"، وتُكلِّم فيه بأخرة، توفي سنة (368هـ) .
انظر: السير للذهبي (16/212 - 213) ، والمنهج الأحمد للعليمي (2/75 - 58) .
4 عبد الله بن إمام السنة أحمد بن حنبل.
قال فيه الذهبي في السير (13/516) :"الإمام الحافظ الناقد، محدّث بغداد أبو عبد الرحمن، ابن شيخ العصر أبي عبد الله ... ".
وقال الخطيب في تاريخه (9/375) :"وكان ثقة ثبتاً فهماً"، توفي سنة (290هـ) .
ولا ريب أنَّ هذا الذي قرّره البوطي هنا ومن قبله الكوثري ومن قبلهما عامة المتكلِّمين يعدُّ افتراء على السلف الصالح رحمهم الله وتقويلاً لهم لشيء لم يقولوه، وقد جمع هؤلاء فيما نسبوه إلى السلف بين أخطاء عديدة أهمّها:
1- تجهيل السلف الصالح رحمهم الله حيث وصفوهم بأنهم لا يفهمون معاني نصوص الصفات، بل يقرأونها قراءة مجرّدة بمنزلة الأميين الذين لا يعلمون
الكتاب إلاّ أمانيّ، وأيُّ تجهيل لهم أعظم من هذا.
2- الجهل بمذهب السلف الصالح، وأيُّ جهل بمذهب السلف الصالح رحمهم الله أعظم من هذا.
3- الكذب على السلف عندما نسبوا إليه عدم فقه المعاني.
4- تكذيب القرآن الكريم، فقد قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} 1 وأيُّ تبيان في كلمات لا يدرى ما معناها.
5- فتح باب الشر للفلاسفة والقرامطة وغيرهم لنشر ضلالهم وباطلهم فقالوا لهؤلاء المفوِّضة أنتم لا تعرفون شيئاً، ونحن نعرف كيف ننزِّه الله فعطّلوا صفاته بأنواع من التحريفات.
6- تفضيل طريقة الخلف على طريقة السلف، ولهذا قال أرباب هذه المقالة إنَّ مذهب السلف أسلم ومذهب الخلَف أحكم وأعلم.
إلى غير ذلك من الأخطاء والمفاسد التي ترتبت على اعتقاد هؤلاء في مذهب السلف أنَّه التفويض، وعدم إثبات الصفات التي دلّت عليها النصوص ومن يتأمل الأمر حقيقة يجد أنَّ "السلف كلهم أنكروا على الجهمية النفاة، وقالوا بالإثبات وأفصحوا به، وكلامهم في الإثبات والإنكار على النفاة أكثر
__________
1 سورة: النحل، الآية: (89) .

الصفحة 46