كتاب الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء

النعمان1، قال: حدّثنا عبد الله بن نافع، قال: قال مالك بن أنس:"الله عز وجل في السماء وعلمه في كلِّ مكان، لا يخلو منه مكان، قال: وقيل لمالك: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟، فقال مالك - رحمه الله -: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء"2.
8- رواية أيوب بن صالح المخزومي3.
قال الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله -: وأخبرنا محمد بن عبد الملك4، قال: حدّثنا عبد الله بن يونس5، قال: حدّثنا بقي بن
__________
1 سريج بن النعمان بن مروان الجوهري اللؤلؤي، أبو الحسين، ويُقال أبو الحسن البغدادي.
وثَّقه يحيى بن معين، والعجلي، وأبو داود، وغيرهم.
وقال فيه ابن حجر:"ثقة يهم قليلاً"، كذا في التقريب، توفي سنة (217هـ) .
انظر: تهذيب الكمال للمزي (10/218) .
2 التمهيد (7/138) . والمراد بقوله:"الاستواء معقول" أي: معقول المعنى كما في الروايات الأخرى، وكما تفيده الجملة التي بعده، ألاَ وهي قوله:"وكيفيته مجهولة".
3 أيوب بن صالح بن سلمة الحراني المخزومي أبو سليمان المدني، سكن الرملة، وروى عن مالك الموطأ، ضعّفه ابن معين، وقال فيه ابن عدي:"روى عن مالك ما لم يتابعه عليه أحد"، لسان الميزان (1/483) ، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (1/131) ، المغني في الضعفاء للذهبي (1/155) .
4 محمد بن عبد الملك بن ضيفون اللخمي القرطبي الحدَّاد، أبو عبد الله.
قال فيه ابن الفرضي:"كان رجلاً صالحاً أحد العدول، وكتب الناس عنه، وعلت سنُّه فاضطرب في أشياء قُرئت عليه وليست ممّا سمع، ولا كان من أهل الضبط"، توفي سنة (492هـ) .
انظر: تاريخ العلماء لابن الفرضي (2/110) ، والسير للذهبي (17/56) ، ولسان الميزان لابن حجر (5/267) ، وقد تحرّف في مطبوعة اللسان إلى (محمد بن عبد الملك بن صفوان!) .
5 عبد الله بن يونس بن محمد بن عبيد الله المرادي أبو محمد، يُعرف بالقَبْري، من قبْرة الأندلس.
هو صاحب بقي بن مخلد، سمع منه مصنَّف ابن أبي شيبة، توفي سنة (330هـ) .
انظر: تاريخ العلماء لابن الفرضي (1/265) ، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين (7/178) .
من أن يمكن إثباته في هذا المكان، وكلام الأئمة المشاهير: مثل مالك، والثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي عبيد، وأئمة أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد، موجود كثير لا يحصيه أحد.
وجواب مالك في ذلك صريح في الإثبات، فإنَّ السائل قال له: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فقال مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول" وفي لفظ: "استواؤه معلوم، أو معقول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". فقد أخبر رضي الله عنه بأنَّ نفس الاستواء معلوم، وأنَّ كيفية الاستواء مجهولة، وهذا بعينه قول أهل الإثبات.
وأما النفاة فما يثبتون استواء حتى تجهل كيفيته، بل عند هذا القائل الشاك وأمثاله أنَّ الاستواء مجهول غير معلوم، وإذا كان الاستواء مجهولاً لم يحتج أن يُقال: الكيف مجهول، لا سيما إذا كان الاستواء منتفياً، فالمنتفي المعدوم لا كيفية له حتى يُقال: هي مجهولة أو معلومة، وكلام مالك صريح في إثبات الاستواء، وأنَّه معلوم، وأنَّ له كيفية، لكن تلك الكيفية مجهولة لنا لا نعلمها نحن.
ولهذا بَدَّع السائل الذي سأله عن هذه الكيفية، فإنَّ السؤال إنّما يكون عن أمر معلوم لنا، ونحن لا نعلم كيفية استوائه، وليس كلُّ ما كان معلوماً وله كيفية تكون تلك الكيفية معلومة لنا، يبيّن ذلك أنَّ المالكية وغير المالكية نقلوا عن مالك أنَّه قال: "الله في السماء وعلمه في كلِّ مكان"، حتى ذكر ذلك مكيّ - خطيب قرطبة - في كتاب التفسير الذي جمعه من كلام مالك، ونقله أبو

الصفحة 47