كتاب الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء

عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} ، كيف استوى؟، وذكره، كذا في تهذيب الكمال1.
وقال أبو المظفر السمعاني في تفسيره:"وقد رووا عن جعفر بن عبد الله وبشر الخفّاف2 قالا: كنّا عند مالك بن أنس فأتاه رجل فسأله عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} ، كيف استوى؟ فأطرق مالك مليًّا، وعلاه الرحضاء، ثم قال:"الكيف غير معقول، الاستواء مجهول3، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أظنّك إلاّ ضالاًّ، ثم أمر به فأخرج"4، من غير شك في رواية بشار الخفاف.
10- رواية سحنون5 عن بعض أصحاب مالك.
قال ابن رشد في البيان والتحصيل: قال سحنون: أخبرني بعض أصحاب مالك أنَّه كان قاعداً عند مالك فأتاه رجل فقال:"يا أبا عبد الله مسألة؟، فسكت عنه ثم قال له: مسألة؟، فسكت عنه، ثم عاد فرفع إليه مالك رأسَه كالمجيب له، فقال السائل: يا أبا عبد الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} ، كيف كان استواؤه؟ فطأطأ مالك رأسَه ساعة ثم رفعه، فقال:"سألتَ عن غير مجهول، وتكلّمتَ في غير معقول، ولا أراك إلاَّ امرأ سوء، أَخرِجوه"6.
__________
(4/90) ، و (20/449) .
2 كذا، ولعله مصحّف من (بشار) .
3 كذا في المصدر المنقول عن والصواب"الاستواء غير مجهول".
4 تفسير السمعاني (3/320) .
5 سحنون: هو الإمام العلاَّمة فقيه المغرب، أبو سعيد عبد السلام بن حبيب بن حسان التنوخي، قاضي القيروان، وصاحب المدونة.
سمع من ابن عيينة، ولازم تلاميذ مالك: ابن وهب وابن القاسم وأشهب، حتى صار من نظرائهم، توفي سنة (240هـ) .
انظر: السير للذهبي (12/63 - 69) .
6 البيان والتحصيل (16/367 - 368) .
شيء، وتارة بأنَّه فوق سماواته على عرشه، وتارة بأنَّ الكتاب نزل من عنده، وتارة بأنَّه ينزل كلَّ ليلة إلى سماء الدنيا، وتارة بأنَّه يُرى بالأبصار عياناً، يراه المؤمنون فوق رؤوسهم، إلى غير ذلك من الدلالات على ذلك، ولا يتكلّم فيه بكلمة واحدة توافق ما يقوله النفاة ولا يقول في مقام واحد قط ما هو الصواب فيه لا نصًّا ولا ظاهراً، ولا يبيّنه.
الخامس: أن يكون أفضل الأمة وخير القرون قد أمسكوا من أولهم إلى آخرهم عن قول الحق في هذا النبأ العظيم الذي هو من أهمّ أصول الإيمان، وذلك إمّا جهل ينافي العلم، وإمّا كتمان ينافي البيان، ولقد أساء الظنّ بخيار الأمة من نسبهم إلى ذلك، ومعلوم أنَّه إذا ازدوج التكلّم بالباطل والسكوت عن بيان الحق، تولّد من بينهما جهل الحق وإضلال الخلق، ولهذا لما اعتقد النفاة التعطيل صاروا يأتون من العبارات بما يدلّ على التعطيل والنفي نصًّا وظاهراً، ولا يتكلّمون بما يدل على حقيقة الإثبات لا نصًّا ولا ظاهراً، وإذا ورد عليهم من النصوص ما هو صريح أو ظاهر في الإثبات حرّفوه أنواع التحريفات، وطلبوا له مستكره التأويلات.
السادس: أنهم التزموا لذلك تجهيل السلف وأنّهم كانوا أميّين مقبلين على الزهد والعبادة والورع والتسبيح وقيام الليل، ولم تكن الحقائق من شأنهم.
السابع: أن ترك الناس من إنزال هذه النصوص كان أنفع لهم وأقرب إلى الصواب، فإنَّهم ما استفادوا بنزولها غير التعرض للضلال ولم يستفيدوا منها يقيناً ولا علماً بما يجب لله ويمتنع عليه، إذ ذاك إنَّما يُستفاد من عقول الرجال وآرائها1.
__________
1 انظر: الصواعق المرسلة (1/314) .

الصفحة 49