كتاب تلوين الخطاب لابن كمال باشا دراسة وتحقيق

عليه1 من الأخلاق الكريمة، إذ لم يكن عليه الصلاة والسلام فحّاشاً ولا سبَّاباً، كما في قوله تعالى2: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَليٍّ وَلاَ نَصِيْرٍ} 3.
وخصوص الخطاب4 قد يكون صورة لا معنى، فإنّ الخطاب في قوله
تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ} وإن كان خاصاً بحسب الصيغة، لكنه عامّ معنى، فإن المخاطب به كلّ واحد ممن يقدر على الاستدلال من المصنوع على5 الصانع.
وقد يكون بصرف الخطاب عن مخاطب إلى مخاطب6، كما في قول جرير7:
ثِقِيْ بِاللهِ لَيْسَ لَهُ شَرِيْكٌ وَمِنْ عِنْدِ الخَلِيْفَةِ بِالنَّجَاحِ
أَغِثْنِيْ يَا فِدَاكَ أَبِيْ وَأُمِّيْ بِسَيْبٍ مِنْكَ إِنَّك ذُو ارْتِيَاحِ8
فإن [المخاطب] 9 بالبيت الأوّل امرأته، وبالبيت الثاني الخليفة 10، وليس هذا
__________
1 قوله: ما هو عليه ساقط من (م) .
2 ساقط من (د) .
3 من سورة البقرة الآية (107) وفي م: "وما لكم من دون من ولي ... ".
4 من هنا إلى قوله «به كل واحد» ساقط من (م) .
5 في د: إلى.
6 قوله: (إلى مخاطب) ساقط من (د) .
7 هو جرير بن عطية بن الخطفى من أشهر شعراء العصر الأموي، ومن الطبقة الأولى منهم، وكان بعض الناس يفضله على شعراء طبقته، وهو من أحسن الشعراء نسيباً وأشدهم هجاءً، وقد اشتهر بنقائضه مع الفرزدق والأخطل. انظر: طبقات فحول الشعراء لابن سلام 1/297، 374-451 بتحقيق محمود شاكر.
والشعر والشعراء لابن قتيبة 1/374-380.
8 البيتان في شرح ديوان جرير لمحمد إسماعيل الصاوي: 98.
9 في النسختين: الخطاب. والصواب ما أثبتّه لأن السياق يقتضيه.
10 انظر: شروح سقط الزند 5/1902، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب الناشر الدار القومية للطباعة والنشر - القاهرة 1383هـ 1964م فإن صدر الأفاضل يرى هذا الرأي.
وقد أورد التفتازاني رأي صدر الأفاضل في عدم وجود الالتفات في هذين البيتين، ثم عقّب ذلك بقوله "فهذا أخصّ من تفسير الجمهور" المطوّل: 133 فكأنّه يرى أنّ هذا زيادة وتشدّد في شرط الالتفات لم يذكره الجمهور ولذا قال التفتازاني: "فقول أبي العلا:
هل تزجرنّكم رسالة مرسل أم ليس ينفع أولاك ألوك
فيه التفات عند الجمهور من الخطاب في (يزجرنكم) إلى الغيبة في (أولاك) بمعنى أولئك، وهو قال إنه إضراب عن خطاب بني كنانة إلى الإخبار عنهم ... » المطول 133 -134
وهذا الرأي تابعه المؤلف هنا في هذين البيتين، وأرى أنه وهم فالالتفات ظاهر في هذين البيتين لأنه قال في البيت الأول (من عند الخليفة) والاسم الظاهر بمنزلة الغيبة، ثم قال: (أغثني) فخاطبه، فهنا التفات من الغيبة إلى الخطاب، وإن كان الشاعر وجه الخطاب في البيت الأول إلى زوجته. فهذا لا يلغي الالتفات، لأن الخطاب موجّه في الحقيقة إلى الخليفة وليس إلى الزوجة. وإنّما هو يعرض أمام الخليفة ما قاله لزوجته وفي هذا تصوير لمدى الحاجة والعوز التي يحياها الشاعر هو وأهل بيته.

الصفحة 335