كتاب تلوين الخطاب لابن كمال باشا دراسة وتحقيق
بيانه. فلا التفات في قوله تعالى: {ثُمَّ تولَّيْتُمْ إلاّ قَلِيْلاً مِنْكُمْ} 1 لأن الكلام قبله مع أسلاف المخاطبين به، نعم هو على طرزه وطريقته، ولذلك قال صاحب الكشاف2: " {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} على طريقة الالتفات"3 فإن قلت: هلاّ يجدي نفعاً اعتبار التغلب الذي ذكره البيضاوي4 حيث قال في تفسيره: "ولعلّ الخطاب مع الموجودين منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قبلهم على التغليب"5؟ قلت:
__________
1 من سورة البقرة آية: (83) والآية بتمامها {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} .
2 هو: أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي الزمخشري، عالم مشهور، له تصانيف كثيرة في علوم مختلفة، وكان معتزلياً مجاهراً باعتزاله. ولد عام 467هـ وتوفي عام 538هـ. لقّب بجار الله - لمجاورته بمكة المكرمة. من تصانيفه: (المفصل في النحو) و (المستقصى في الأمثال) و (الكشاف في التفسير) و (الفائق في غريب الحديث) و (أساس البلاغة) وغير ذلك.
انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان 5/168- 174 وبغية الوعاة 2/279- 280.
3 الكشاف: 1/293.
4 ساقط من (م) : والبيضاوي هو: ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي كنيته: أبو سعيد أو أبو الخير، علامة، مفسر، قاضٍ، له التفسير المشهور أنوار التنزيل وأسرار التأويل، وكتاب "منهاج الوصول إلى علم الأصول" وغير ذلك من المؤلفات توفي سنة 685هـ.
- بغية الوعاة: 2/50 - 51 والأعلام: 4/110.
5 أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي: (1/67) ط (2) 1388هـ مطبعة البابي الحلبي
وأولاده بمصر. وقد وضّح الطيبي هذا الأمر حين قال {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} على طريقة الالتفات وهو من الغيبة في قوله {أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ} إلى الخطاب، والفائدة التأنيب والتوبيخ، استحضرهم فوبّخهم ... قال القاضي: لعل الخطاب مع الموجودين منهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قبلهم على التغليب. وقلت فالأوفق أن يقال: إن أصل الكلام ثم تولوا وهم معرضون، لقوله {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ} أي اذكر وقت أخذنا ميثاق بني إسرائيل وتوليهم وإعراضهم عن ذلك، فعدل إلى خطاب الموجودين منهم تغليباً وإشعاراً بأن التولي الذي حصل منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليس ببدع منهم لأنه دأبهم ودأب أسلافهم، فلا يكون في الكلام التفات".
فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب للطيبي (579) رسالة دكتوراة بمكتبة كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية من إعداد الباحث: صالح عبد الرحمن الفائز وذكر محمد أبو الحسن أيضاً أنّ توجيه الخطاب إليهم على طريقة الالتفات، انظر: تيسير البيضاوي تعليقات وشروح على أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي (1/100) ط (4) 1399 دار الأنصار - مصر.
الصفحة 338
516