كتاب سد الذرائع في مسائل العقيدة

تبوك لما ضلت راحلته: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} 10
المسألة الثانية: وهى من أهم المسائل، اعلم أنه يجب على كل إنسان أن يميز بين حقوق الله تعالى التي هي من خصائص ربوبيته التي لا يجوز صرفها لغيره، وبين حقوق خلقه كحق النبي صلى الله عليه وسلم ليضع كل شيئ في موضعه على ضوء ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا القرآن العظيم والسنة الصحيحة0
وإذا عرفت ذلك فاعلم: أن من الحقوق الخاصة بالله التي هي من خصائص ربوبيته التجاء عبده إليه إذا دهمته الكروب التي لا يقدر على كشفها إلا الله، فالتجاء المضطر الذي أحاطت به الكروب ودهمته الدواهي لا يجوز إلا لله وحده، لأنه من خصائص الربوبية، فصرف ذلك الحق لله وإخلاصه له هو عين طاعة الله ومرضاته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ومرضاته، وهو عين التوقير والتعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم لأن أعظم أنواع توقيره وتعظيمه هو اتباعه والاقتداء به في إخلاص التوحيد والعبادة له وحده جل وعلا، وقد بين جل وعلا في آيات كثيرة من كتابه أن التجاء المضطر من عباده إليه وحده في أوقات الشدة والكرب من خصائص ربوبيته تعالى … قال تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} 2، ثم بين من خصائص ربوبيته الدالة على أنه المعبود وحده فقال: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} فهذه المذكورات التي هي خلق السماوات والأرض وإنزال الماء من السماء وإنبات الحدائق ذات البهجة التي لا يقدر على إنبات شجرها إلا الله من خصائص ربوبيه الله، ولذا قال تعالى بعدها {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} يقدر على خلق
__________
1 التوبة / آية:65، 66.
2 النمل / آية: 59، 60.

الصفحة 192