كتاب سد الذرائع في مسائل العقيدة

منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} ، فأمده الله بالملائكة"10
وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال: قال أبو بكر: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله عز وجل" 20
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بعد ذكره للحديث:"فيه النص على أنه لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بمن دونه0 كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعمل هذا اللفظ في حقه، وإن كان مما يقدر عليه في حياته، حماية لجناب التوحيد وسدا لذرائع الشرك وأدبا وتواضعا لربه وتحذيرا للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال، فإذا كان هذا فيما يقدر عليه صلى الله عليه وسلم في حياته، فكيف يجوز أن يستغاث به بعد وفاته"0
وقال في قرة العيون: "وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدر أن يغيثهم من ذلك المنافق فيكون نهيه صلى الله عليه وسلم عن الاستغاثة به حماية لجناب التوحيد، وسدا لذرائع الشرك كنظائره مما للمستغاث به قدرة عليه مما كان يستعمل لغة وشرعا مخافة أن يقع من أمته استغاثة بمن لا يضر ولا ينفع"30قلت: ويظهر بذلك أن الاستغاثة نوعان:
__________
1 مسلم كتاب الجهاد باب 18 جـ3 /1384، وأحمد في مسنده جـ1 / 30، 32.
2 قال الهيثمي في مجمع الزوائد جـ10 / 159: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث0 قلت: ابن لهيعة ضعيف مختلط إلا في رواية العبادلة عنه، وهذه ليست منها، وقد ذكر بعض العلماء هذا الحديث في كتبهم كابن تيمية وغيره وسقته هناك كشاهد على موضوع سد الذرائع التي أنا بصدد الحديث عنها0
3 فتح المجيد / 184، 185، وبها مشه كلامه في قرة العيون0

الصفحة 201