كتاب المداراة وأثرها في العلاقات العامة بين الناس

وصلة إبراهيم عليه السلام بربّه وثيقة، ومتينة، فأدرك عليه السلام أن لله في ذلك الأمر حكمة، وأنّ الله لن يمكّن عدوّه من وليّه، وأنّ العاقبة للمتّقين، وهو الحفيظ العليم.
وكان من قصّتهما أنّ الله أخزى الكافر، وأبطل كيده، وكبته، وحمى عرض نبيّه، وأخدمها الكافر (هاجر) أم إسماعيل عليه السلام 1.
فطريق إبراهيم عليه السلام في التعامل مع الكافر الجبّار أخذ جانب المسايرة، والملاينة طريقًا لمداراة الجاهل، السفيه، الأحمق.
وإبراهيم عليه السلام كان غيورًا، حَتَّى قيل: بأنّه صنع تابوتًا لزوجه سارة يضعها فيه كلّما تنقّل بها ليُخْفِيها عن أعين النّاس!! .
فلو أبدى أدنى مقاومة لتصدى له الجبّار بجبروته، وجبابرته وقضى عليه، وعلى دعوته، ولكنّ الله سلَّم.
وما فعله إبراهيم عليه السلام حيال فعل الجبّار الغاشم جاء معناه في قول الله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران / 28] .
فقوله تعالى: {إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} معناه: إلاّ أن تخافوا من جهتهم أمرًا يجب اتقاؤه، أو تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم 2.
__________
1 انظر صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} .
وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل.
2 انظر في هذا المعنى تفسير الطبري للآية (28) من سورة آل عمران.

الصفحة 283