كتاب المداراة وأثرها في العلاقات العامة بين الناس

نابية في مخاطبتهم إياه.
أو ممن تدفعهم العصبية إلى طلب أمر من الأمور من باب التّعنّت.
وأن يكون الداعية رقيق القلب يحسن معرفة الجوانب الإنسانية عند مخاطبيه، فيراعي الفروق الفردية بينهم في الوعي والإدراك، ومعرفة عواقب الأمور. فلو كان ممن يأخذ هذا بجريرة هذا، ويحكم على هذا في صورة هذا لوقع في قلوبهم شيء من الكراهية له، ولربما تردد الضعيف في إيصال مظلمته إليه خشية إغضابه، وحنقه عليه، فتضيع بذلك حقوقٌ لمستحقيها، وتتفتح دروبٌ من الشرّ لمنتحليها.
وأن يعفو عمن أساء، ويستغفر له إن كان ما وقع منه جهلاً، أو قصورًا في التفكير.
فإنّ مثل هذه الأفعال الحسنة وغيرها مما يقرّب المدعو إلى الداعية. ثمَّ يصل أمر الداعية إلى ذروته في الفاعلية عندما يُشعر المدعوين بقدْرهم، وقيمتهم الفكرية حين يشاورهم في الأمور الَّتِي لها مساس بدينهم، ودنياهم.
حينئذٍ يترسخ الولاء من التابع للمتبوع، ويستشعر الجميع أهميّة الرأي، والمشورة، فيتوحد بذلك المصير، ويصبح مشتركًا.
وفي توجيه آخر ينهى الله نبيه محمّدًا صلى الله عليه وسلم من التعرض لآلهة المناوئين لدعوته، والمجاهرين بتكذيبه {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام / 108] .
فطالما أنهم لا يميزون بين الحق والباطل فيما يقولون ويفعلون، ويخضعون لأهوائهم، وشهواتهم في تحديد رغباتهم، فعليكم أن تمسكوا عن ذكر آلهتهم بما يكرهون، حَتَّى لا يدفعهم ذلك عصبية وجهلاً إلى سبّ الله جلّ وعلا عدوانًا وظلمًا.

الصفحة 288