كتاب المداراة وأثرها في العلاقات العامة بين الناس

معروف أنّ لكلّ صلاة وقتين: وقتًا تبدأ فيه لا تصح قبله. ووقتًا تنتهي فيه لا تجوز بعده إلاّ بعذر، وتكون قضاءً.
فالذي ينام عن صلاة الفجر حَتَّى تطلع الشمس قد فاته وقتها الأصلي، فإن كان فعله هذا بدون تفريط منه، وأمرًا طارئًا، وله عذر، كفَّر عن فعلته بأدئها حين يستيقظ مباشرة. لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرَى " 1.
وحجّة صفوان في تأخيره لصلاة الفجر حَتَّى تطلع الشمس أنها عادة اعتادها هو وقومه، مما يدل على أن أمر تأخير صلاة الفجر قد تكرّر منه وربما ظنّ وأهل بيته أَنَّهم مرغمون بحكم العادة على فعل ذلك.
يقول الخطابي:
وقوله صلى الله عليه وسلم: " فإذا استيقظت فَصَلِّ " ثمَّ تَرْكُه التعنيف له في ذلك، أمر عجيب من لطف الله سبحانه بعباده، ومن لطف نبيّه، ورفقه بأمّته.
ويشبه أن يكون ذلك منه على معنى مَلَكَة الطبع، واستيلاء العادة، فصار كالشيء المعجوز عنه. وكان صاحبه في ذلك بمنزلة من يُغمى عليه، فعُذر فيه، ولم يُؤَنب عليه.
ويحتمل أن يكون ذلك إنما كان يصيبه في بعض الأوقات دون بعض، وذلك إذا لم يكن بحضرته من يوقظه، ويبعثه من المنام، فيتمادى به النوم حَتَّى
__________
1 أَخرَجه مسلم في كتاب المساجد ـ باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها عن أنس بن مالك، حديث رقم (316) .

الصفحة 306