كتاب المداراة وأثرها في العلاقات العامة بين الناس

هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ " 1.
فَهو مَع الجميع بِما يُرضي الجميع. تُسيِّره رغباتُه، وشهواتُه. لا يكْتَرِث كَثيرًا لما يَفْقِد مِن مَاءِ وَجْهه مِن الحَياءِ. وغَايتُه الحصُول على ما يُريد حَتَّى ولو أَخْزاه ما أَراد.
وهَذا لَيْس مِن (المداراة) المرْضِيَّةِ في شيء. إنما هو خليطٌ مِن الكَذِبِ، والنِّفاقِ، والتَّزلُّف والرِّياء، يأْباهُ كلُّ ذِي مُروءَةٍ.
وهو دِعامَةٌ قَويّةٌ لعناصِر الشرِّ في المجتمع، يرتكز عليها الفَساد النَاشيء عَن تقْسيم المجتَمع إلى طبقاتٍ متفاوتةٍ، يَسودها مَنْطق:
البَقاءُ للأَقوى، والحَسْرة للضَّعِيفِ.!!
والمحْسُوبية أَن تحسِب لغيرِك حِسابًا فيما تأْتي بهِ من عَمَلٍ ينتُج عَنْه الخَشْية عِنْدك عَلى مَصَالِحك الخاصَّة عِنده أَو عِند غَيْره مِن أَن تَتَعَطَّل، ممّا يَدْفعُك إلى مُدارَأَتِهِ.
أو أن تَتَطلَّع إلى تبادُل المنافِع بيْنكُما فيما يخْدِم مَصْلَحَتَيْكُما. مما يَدفَعك إلى التَّنازُل عَن بعضِ مُقومات السُّلوك القويم.
وهذا يكونُ - في الغالب - مِن الَّذِين يقْفِزون على الأَنْظِمة، والشَّرائِع. ويتَّخِذُون سَبيل الحِيلَةِ، والمراوغَةِ والخَديعَة، والكَذِب سَبيلاً
__________
1 أخرجه البخاري في الأدب، باب ما قيل في ذي الوجهين، ومسلم في البر والصلة، باب ذم ذي الوجهين. كلاهما عن أبي هريرة.

الصفحة 327