كتاب المداراة وأثرها في العلاقات العامة بين الناس

وقَد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال / 27] .
فَمن ضَيَّع شَيئًا ممَّا أَمر الله، أَو رَكِب شيئًا ممَّا نَهاه الله عنْه فلَيْس بِعَدْلٍ لأَنَّه لزِمَه اسْم الخِيانَة.
وفي مثل هَذِه الحالات يبْرز دَور المسئول الأَوّل في حُسْنِ الاخْتِيار للعَامِلين مَعَهُ. ومِن ثَمَّ مُتَابعة أَعمالِهم ومُحاسَبتِهم عَليها.
وعَليه أَن يُطبِّق مَفهوم، ومَدلول القَول المشْهور: الرجُل المناسِب في المكانِ المنَاسِب.
قال صلى الله عليه وسلم لأَعرابي سَألَه عن مَوعد قيام السَّاعة: "إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ ". قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ " 1.
وإذا ما اجتَهد وَليُّ الأَمْرِ عِند اختيارِ عُمَّالِه بانتقاءِ الصَّالح مِنهم ثمَّ تَبيَّن أن مِن بَيْنهم من لا يَصْلح للعَمل - بأن ظَهرت مِنه خِيانَة - فلا يَتردَّد في عَزْله ومُعاقبتِه وحِسَابِه ليكونَ عِبْرة لِغيره. وما ترْكُ المذْنِب بلا عِقابٍ ولا حِسابٍ إلاَّ نوعٌ مِن الاسْتِفْزازِ للمخْلِصين، وتثْبيطًا لهِمَمِهم.
وعليه تَفقّد أَحوالهم، ومُراقبه أَعمالهم، لا يَسْقط ذلك عنه بدعوى الثِّقة فِيهم، ولا بالانشِغَال عَنْهم.
فإن هُو عَلِم بالتَّقصير فجَامَل أَو تَجمَّل، أَو تغابا، فتلك مُصيبة. وإن كان
__________
1 أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه، عن أبي هريرة.

الصفحة 329