كتاب مع الامام أبي إسحاق الشاطبي في مباحث من علوم القرآن الكريم وتفسيره

المبحث الْعَاشِر: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي الإفادة من أصُول الْفِقْه فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم
علم أصُول الْفِقْه من الْعُلُوم المهمة، وَلَو لم يكن كَذَلِك لما شُغل بِهِ عُلَمَاء الْمُسلمين تعلما وتعليما وتأليفا، ومجاله فِي علم الْفِقْه وَاضح لَا غُبَار عَلَيْهِ.
وأمَّا أهميته فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم فَهِيَ لَا تقل عَن أهميته فِي الْفِقْه؛ إِذْ بِهِ يُعرف وَجه الِاسْتِدْلَال على الْأَحْكَام والاستنباط.
ولأهمية هَذَا الْعلم للمفسر عدّه الإِمَام السُّيُوطِيّ مِمَّا يجب على الْمُفَسّر أَن يتقنه قبل أَن يبْدَأ فِي تَفْسِير كَلَام الله تَعَالَى1.
وَالْإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي فِي هَذَا الْفَنّ - أصُول الْفِقْه - نَسِيج وَحده، وَإِمَام عصره، وَكتابه "الموافقات" لَا نظيرله فِي هَذَا الْفَنّ2. فَهُوَ الْمرجع لتصوير مَا يَقْتَضِيهِ الدّين من استجلاب الْمصَالح، وتفصيل طرق الملاءمة بَين حَقِيقَة الدّين الخالدة، وصور الْحَيَاة الْمُخْتَلفَة المتعاقبة3.
وعندما تعرض الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي لتفسير الْقُرْآن الْكَرِيم أَفَادَ من علم أصُول الْفِقْه لإِظْهَار مَعَاني الْقُرْآن الْكَرِيم، فَهُوَ تَارَة يطبق قَوَاعِده فتظهر الْمعَانِي وتزول الإشكالات4.
وَتارَة يَجْعَل مَا يفهمهُ من الْقُرْآن الْكَرِيم مُسْتَندا لَهُ فِي بِنَاء بعض الْقَوَاعِد الأصوليّة وتوضيحها. وَإِلَيْك بعض الْأَمْثِلَة فِي هَذَا المبحث:
__________
1 - انْظُر الإتقان (2/510، 512) .
2 - انْظُر نيل الابتهاج، ص (48)
3 - انْظُر أَعْلَام الْفِكر الإسلامي ص (76) .
4 - من أَمْثِلَة زَوَال الْإِشْكَال بتطبيق الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة مَا ذكره فِي بَاب النّسخ وَأَن للْمُتَقَدِّمين فِيهِ اصْطِلَاحا غير مَا عرف عِنْد الْأُصُولِيِّينَ. انْظُر: الموافقات (3/344) وَمَا بعْدهَا.

الصفحة 117