كتاب العلمانية وموقف الإسلام منها

"وأخيراً غادر المستعمرون ديار المسلمين بعد أن خلفوا على تركتهم ورثة مخلصين؛ ليحافظوا عليها، ولأنهم يتمكنون من العمل في صالحهم أكثر مما يتمكنون هم بأنفسهم"1.
ثانياً: الاستعمار الشرقي:
يقول شيخنا الدكتور محمد أمان الجامي - رحمه الله -: "فبينما يعاني الدعاة تلك المعاناة من الاستعمار الغربي وورثته المخلصين إذا هم يفاجأون باستعمار من نوع آخر أشد ضراوة، وأشد حقداً على الدعوة الإسلامية وأهلها، وهو الاستعمار الشرقي الملحد، وكان ماكراً يظهر للغوغاوّيين نوعاً من الرحمة في أسلوب معسول يخدع السذج من الناس، فقد خدع الطبقة الفقيرة ووعدهم بثراء يأتيهم بين عشية وضحاها إذا آمنوا به، وأخلصوا له ليثيرهم ضد الأغنياء، وأصحاب الأموال الطائلة، وكان يضحك على سذاجة الفقراء، فيقول لهم: إن هؤلاء الإقطاعيين طالما ظلموكم، ونحن نريد أن نمنَّ عليكم، وننقذكم مما أنتم فيه من الفقر والحاجة، ونرفعكم إلى المستوى اللائق بكم؛ لتحقق بذلك العدالة الاجتماعية، حتى تعيشوا مع هؤلاء الأثرياء الإقطاعيين جنباً إلى جنب، ومن هنا طار الفقراء فرحاً وصفقوا لهم حتى كلت أيديهم من التصفيق، وهتفوا لهم بالبقاء: يعيش يعيش حتى بحت حناجرهم، فجعل الفقراء ينتظرون الثراء الموعود به من السادة المستعمرين الشيوعيين فلم يجدوا شيئاً بل الحالة تزداد سوءاً، فإذا المستعمرون يهجمون على أموال الأثرياء فيصادرونها باسم الفقراء، ولكن لم تنقل إلى خزائن الفقراء -كما كان يتوقع الفقراء - بل نقلت إلى الخزينة الخاصة لتشتري بها الضمائر الرخيصة، والأيدي
__________
1 أضواء على طريق الدعوة إلى الإسلام ص228.

الصفحة 379