كتاب مع الامام أبي إسحاق الشاطبي في مباحث من علوم القرآن الكريم وتفسيره

فَأدْخلهُ مَعَهم فَمَا رُئيت أَنه دَعَاني يَوْمئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ. قَالَ مَا تَقولُونَ فِي قَول الله تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} 1 فَقَالَ بَعضهم: أُمرنا نحمد الله وَنَسْتَغْفِرهُ إِذا نصرنَا وَفتح علينا، وَسكت بَعضهم فَلم يقل شَيْئا. فَقَالَ لي: أكذاك تَقول يَا ابْن عَبَّاس؟ فَقلت: لَا. قَالَ: فَمَا تَقول؟ قلت: هُوَ أجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلمهُ لَهُ، قَالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} 2 وَذَلِكَ عَلامَة أَجلك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} 3 فَقَالَ عمر: مَا أعلم مِنْهَا إلاَّ مَا تَقول"4. وَقد ذكر أَبُو إِسْحَاق هَذَا الدَّلِيل5.
وَالثَّانِي أَن أَبَا إِسْحَاق لم يرد التَّفْسِير الإشاري جملَة، وَلم يقبله جملَة، بل فصّل فِي ذَلِك وَهَذَا هُوَ الْحق.
وَالثَّالِث: قد أَتَى أَبُو إِسْحَاق الشاطبي على أهم الشُّرُوط الَّتِي تشْتَرط لصِحَّة هَذَا التَّفْسِير، وَقد أضَاف بعض الْعلمَاء مَا يَلِي6:
1 - ألاَّ يُدَّعى أَنه المُرَاد وَحده دون الظَّاهِر.
2 - أَن يُبيَّن الْمَعْنى الْمَوْضُوع لَهُ اللَّفْظ الْكَرِيم أَولا.
3 - ألاَّ يكون من وَرَاء هَذَا التَّفْسِير الإشاري تشويش على المفسَّر لَهُ.
__________
1 - سُورَة النَّصْر، الْآيَة: 1.
2 - سُورَة النَّصْر، الْآيَة: 1.
3 - سُورَة النَّصْر، الْآيَة: 3.
4 - صَحِيح البُخَارِيّ - مَعَ الْفَتْح - (8/734، 735) ، كتاب التَّفْسِير، بَاب قَوْله:
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} ح (4970) .
5 - انْظُر الموافقات (4/210، 211) .
6 - انْظُر: مناهل الْعرْفَان (1/549) ، وَقد ذكر الشَّيْخ الزّرْقَانِيّ غير هَذِه الشُّرُوط، وَكَذَلِكَ الشَّيْخ مناع الْقطَّان، غير أَنه بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا ذكرا فَإِنَّهَا لَا تخرج عَن الشَّرْطَيْنِ اللَّذين ذكرهمَا الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي.

الصفحة 56