كتاب رعاية المصلحة والحكمة في تشريع نبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم)

الْحَقِيقِيَّة أَو تكون مَظَنَّة لَهَا. قَالَ الشاطبي1: "فنصب الشَّارِع المظنة فِي مَوضِع الْحِكْمَة ضبطا للقوانين الشَّرْعِيَّة"2.
نخلص من هَذَا إِلَى أَن الْعلَّة - وَإِن استعملتْ استعمالات مُتعَدِّدَة مُخْتَلفَة - لَكِن مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيّ والأصلي هُوَ الْحِكْمَة والمصلحة.
يَقُول الشاطبي: " ... وَأما الْعلَّة فَالْمُرَاد بهَا الحِكم والمصالح الَّتِي تعلّقت بهَا الْأَوَامِر أَو الْإِبَاحَة، والمفاسد الَّتِي تعلّقت بهَا النواهي ... فعلى الْجُمْلَة: الْعلَّة هِيَ الْمصلحَة نَفسهَا أَو الْمفْسدَة نَفسهَا ... "3.
وَهَذَا الَّذِي صنعه الشاطبي من تَفْسِير الْعلَّة - عِنْده - بِالْمَصْلَحَةِ والمفسدة الْمَقْصُودَة بالحكم هُوَ اللَّائِق فِي بَاب الْمَقَاصِد، لِأَن الْبَحْث فِي الْمَقَاصِد هُوَ بحث فِي الْعِلَل الحقيقيّة الَّتِي هِيَ مَقَاصِد الْأَحْكَام بغض النّظر عَن كَونهَا ظَاهِرَة أَو خُفْيَة منضبطة أَو غير منضبطة، وعَلى أساس هَذَا الْمَعْنى الْأَصْلِيّ لمصطلح الْعلَّة، تفرع مصطلح التَّعْلِيل بِمَعْنَاهُ الْعَام، وَهُوَ تَعْلِيل أَحْكَام الشَّرِيعَة بجلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد4.
__________
1 - أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الغرناطي، فَقِيه أصولي مُجْتَهد (ت 790 ?) وترجمته فِي نيل الابتهاج بتطريز الديباج ص 46 والأعلام 1/71.
2 - الموافقات 1 / 254.
3 - الموافقات 1 / 265.
4 - نظرية الْمَقَاصِد ص 21 - 25.

الصفحة 205