كتاب رعاية المصلحة والحكمة في تشريع نبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم)

كَيفَ تقدر الْمصَالح والمفاسد؟
...
كَيفَ تقدر الْمصَالح؟
إِذا تقرر هَذَا فَليعلم أَن تَقْدِير الْمصَالح والمفاسد إِنَّمَا يكون بِالشَّرْعِ لَا بالهوى كَمَا قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية1 رَحمَه الله: "لَكِن اعْتِبَار مقادير الْمصَالح والمفاسد هُوَ بميزان الشَّرِيعَة، فَمَتَى قدر الْإِنْسَان على اتِّبَاع النُّصُوص لم يعدل عَنْهَا، وَإِلَّا اجْتهد رَأْيه …"2 فالمرحلة الأولى أَن نَنْظُر: هَل الْمصَالح والمفاسد الَّتِي نَحن بصددها ورد بالموازنة بَينهَا نَص فِي الشَّرِيعَة أم لَا؟ فَحَيْثُ ورد النَّص بِاعْتِبَار مصلحَة مَا أَو بإلغائها وَجب اتِّبَاعه، فَمن سَأَلَ هَل يبْقى مَعَ وَالِديهِ لبرهما وخدمتهما أم يخرج مُتَطَوعا للْجِهَاد وَلَو لم يأذنا؟ أَي المصلحتين تقدم؟ فَهَذَا وَارِد تَقْدِيره وَالْجَوَاب عَنهُ فِي نُصُوص الشَّرْع بِمَا لَا يدع مجالا للِاجْتِهَاد فِي رَأْي، فَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي الْعَمَل أحب إِلَى الله؟ قَالَ: "الصَّلَاة على وَقتهَا" قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: "بر الْوَالِدين" قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: "الْجِهَاد فِي سَبِيل الله" 3.
أما إِذا أشبهت الْمَسْأَلَة وَلم يُوجد نَص صَرِيح يقْضِي بِاحْتِمَال مفْسدَة مَا أَو تَفْوِيت مصلحَة، أَو تَقْدِيم مصلحَة على أُخْرَى فَهُنَا يكون الِاجْتِهَاد4.
__________
1 - أَحْمد بن عبد الْحَلِيم الْحَرَّانِي شيخ الْإِسْلَام، إِمَام حَافظ فَقِيه أصولي مُحدث مُجْتَهد (ت 728?) وترجمته فِي الذيل على طَبَقَات الْحَنَابِلَة 2/378 وَتَذْكِرَة الْحفاظ 2/1496.
2 - الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر ص 41 نقلا عَن الْأَدِلَّة على اعْتِبَار الْمصَالح والمفاسد ص 40.
3 - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الْمَوَاقِيت 2 / 9 وَأحمد 1 / 181 وَغَيرهمَا.
4 - انْظُر الْأَدِلَّة على اعْتِبَار الْمصَالح والمفاسد ص 40 - 41.

الصفحة 236