كتاب تسبيح الله ذاته العلية في آيات كتابه السنية

- وحكاية لفرط ضلالهم وجهلهم بالله مع عبادتهم غيره، وتسفيهاً وتحقيراً لرأيهم قال الله عنهم: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} زعموا أنهم يشفعون لهم عند الله فلا يعذبهم بذنوبهم إنْ كان هناك يوم آخر يرجعون فيه إليه فيحاسبهم بما قدّموا. وهذا غاية - بلا شك - في الجهالة والافتراء حيث إنّهم ينتظرون الشفاعة في المآل ممّن لا يوجد منه نفع ولا ضرّ في الحال1 هذا مع اعترافهم في مقالتهم - هذه - بأنّ المتصرّف هو الله تعالى وحده؛ حيث جعلوا لهم شفعاء عنده2.فدعواهم تحمل في طيّاتها ماينقضها بسبب تناقضها واعتمادها على أساس غير صحيح ولا مقبول عقلاً ولا واقعاً.. ولذلك جاء التعبير بالمضارع في قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ} و {يَقُولُونَ} لاستحضار حالتهم العجيبة في استمرارهم على عبادتهم غير الله وافترائهم عليه تعجيباً من تصميمهم وعنادهم على ضلالهم الذي لا يقوم على دليل ولا حجة بل هو ينقض بعضه بعضاً3.
- وبعد تلك المقدمة المفيدة للتدرّج في نقض شركهم ودعواهم يأتي الأمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالردّ عليهم ومحاجّتهم. {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} أي أتخبرونه أنّ له شركاء في ملكه يُعبدون كما يُعبد، أو أتخبرونه أنّ لكم شفعاء عنده بغير إذنه؛ والله سبحانه لا يعلم لنفسه شريكاً ولا شفيعاً بغير إذنه من جميع مخلوقاته الذين هم في أرضه وسمائه.
فلمّا كان كلامهم الباطل شيئاً اخترعوه وهو غير واقع جعل الله اختراعه بمنزلة أنهم أعلموه به.
__________
1 انظر: فتح القدير للشوكاني ج2 ص449.
2 انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج11 ص125.
3 انظر: المرجع السابق ج11 ص125.

الصفحة 28