كتاب حركة حروف المضارعة
واضطروا إلى حرف رابع فتعيَّن النّون، لما فيه من الغنّة الشَّبيهة بالمدّ "1.
فيرى الكيشي أنَّهم لمَّا احتاجوا إلى أحرف تدلُّ على المعاني الزَّائدة في الفعل كان الأولى بذلك حروف المدّ الثَّلاثة: الألف والواو والياء، فأبدل من الألف الهمزة للعلّة التي ذكر، ومن الواو التَّاء؛ لأنَّه لا تزاد أولاً، والياء بقيت على طبيعتها، فلمَّا اضطروا إلى حرف رابع كان النّون.
وزيادة هذه الأحرف ليست خاصة بالفعل المضارع، ولذلك لا يذكرها النحويون لتعريفه بها؛ لأنَّها ليست علامة قاطعة، وإنَّما هي مساعدة. ولذلك قال ابن هشام فيها: "وإنَّما ذكرت هذه الأحرف بساطًا وتمهيدًا للحكم الذي يأتي بعدها، لا لأُعرِّف بها الفعل المضارع؛ لأنَّا وجدناها تدخل في أوَّل الفعل الماضي، نحو: أكرمت زيدًا وتعلّمت المسألة ونرجست الدَّواء إذا جعلت فيه نرجسًا، ويرنأت الشَّيب إذا خضبته باليُرَنَّاً، وهو الحنّاء، وإنَّما العمدة في تعريف المضارع دخول لم عليه"2. ونجد أنَّ هذه الأحرف تدخل أيضًا على الأسماء، وتجيء في أوَّلها، ويفسِّر ابن جنِّي ذلك بقوله: "فإن قلت: فهلا قُصِرَت حروف المضارعة على الأفعال كما قصرت الميم على الأسماء، وقد سمعناهم يقولون: أفْكَلٌ، وأَيْدَعٌ، وتَنْضُبٌ، وتَتْفلٌ3 وغير ذلك ممَّا في أوَّله الهمزة والنّون والتَّاء والياء؟
قيل: إنَّما زيدتْ هذه الحروف التي بابها الأفعال في أوائل الأسماء، لقوَّة الأسماء وتمكّنها، وغلبتها للأفعال فشاركت الأسماءُ في هذا الموضع الأفعالَ،
__________
1 الإرشاد إلى علم الإعراب ص 439.
2 شرح قطر النَّدى وبلّ الصَّدى ص 37.
3 الأفكل، على أفعل: الرعدة: ولا يبنى منه فعل. والأيدع: صبغ أحمر، وقيل: هو خشب البقم، وقيل غير ذلك. والتنضب: شجر ينبت بالحجاز، واحدته تنضبة. والتتفل: الثعلب، ونبات أخضر، وقيل شجر. انظر ذلك في اللسان (فكل، يدع، نضب، تفل) . .
الصفحة 457
490