كتاب قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية
الْمُقدمَة
إِن الْحَمد لله نحمده نستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونستهديه، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبعد:
فَإِن الله عز وَجل قد أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق، وَأنزل كِتَابه ليحكم بَين النَّاس فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ وَيهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم.
وَقد تنكبت البشرية طَرِيق الْهِدَايَة وَوَقعت فِي الغواية واستشرى فِيهَا الْفساد فِي نواحي كَثِيرَة من مناحي حَيَاتهَا، وَكَانَ من أَكثر انحرافاتها خطراً وَأَعْظَمهَا جرما انحرافهم فِي الله عز وَجل، فقد ضل الْبشر عَن رَبهم ضلالا بَعيدا وجهلوه جهلا شَدِيدا أورثهم كثيرا من الضلالات والانحرافات.
وَكَانَ من أعظم مصَادر ضلال الْبشر اعتمادهم على نظرهم الْقَاصِر وقياسهم الْغَائِب على الشَّاهِد، وَقَوْلهمْ على الله عز وَجل بِلَا علم.
وَكَانَ من حاملي لِوَاء الضَّلَالَة فِي الْعَالم الفلاسفة وروادهم فِي ذَلِك الضلال المتقدمون مِنْهُم وهم فلاسفة اليونان، الَّذين برزوا على النَّاس بِدَعْوَى النّظر الْعقلِيّ، والتدقيق فِي الْأُمُور، والمسائل الْمُتَعَلّقَة بالإنسان، ثمَّ لم يكتفوا بذلك، حَتَّى جادلوا فِي الله عز وَجل بِغَيْر علم، وَلم يكن ظَاهرا أَمَام أَعينهم إِلَّا الْإِنْسَان والمخلوقات المحيطة بهم، فقاسوا مَا غَابَ عَنْهُم على مَا يشاهدونه، فَكَانَ ذَلِك من أعظم أخطائهم وغلطاتهم، ثمَّ مَا لم تسعفهم بِهِ عُقُولهمْ ونظرهم استلفوه واستلهموه من عقائد مجتمعهم، وَمَا تربوا عَلَيْهِ فِي الأَصْل من الوثنيات والضلالات، فنتج عَن ذَلِك كُله مقولات فِي الله تبَارك وَتَعَالَى هِيَ من أفسد المقالات وأقبحها، وأكثرها بعدا عَن الْعقل السَّلِيم، إِلَّا أَنَّهَا مَعَ ذَلِك راجت على
الصفحة 177
506