كتاب قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية

ومعزوة إِلَى غَيره من الْعُقُول والنفوس والأوثان والأصنام، مشكور غَيره من المربوبين والمخلوقين من الْبشر والأصنام ـ فتحولت معرفَة النَّاس من تِلْكَ الْمعرفَة الَّتِي أملاها عَلَيْهِم الفلاسفة، وَمن أَخذ بقَوْلهمْ إِلَى أَن الله تبَارك وَتَعَالَى هُوَ الْوَاحِد الْأَحَد الْفَرد الصَّمد، لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد، ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام، ذُو الجبروت والملكوت، حَيّ لَا يَمُوت، قيوم لَا ينَام، الْخَالِق الْبَارِي المصور السَّمِيع الْبَصِير الْعَلِيم الْحَكِيم، ذُو الْعِزَّة والانتقام، وَذُو الرَّحْمَة والإنعام، لَا يخفى عَلَيْهِ من شؤون عباده شَيْء، وَيُدبر أُمُورهم ويتصرف فيهم، لَا يشاؤون إِلَّا مَا شاءه لَهُم، وَلَا ينالون إِلَّا مَا قَضَاهُ لَهُم، وَهُوَ الْغَنِيّ ذُو الرَّحْمَة، فَمَا من نعْمَة إِلَّا هُوَ مصدرها، وَهُوَ رازقها والمنعم بهَا، وَمَا من بلية إِلَّا هُوَ وَحده الْقَادِر على رَفعهَا وَدفعهَا، لَهُ الْعِبَادَة وَحده، وَله الشُّكْر وَحده دون من سواهُ، وَهُوَ المتفضل على من أطاعه بجنة عرضهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة رَحْمَة وفضلاً، وَهُوَ المنتقم مِمَّن عَصَاهُ فِي نَار وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة عدلا.
فأشرقت الأَرْض بِهَذَا الْعلم وَهَذَا النُّور وَهَذِه الْمعرفَة، وثاب من شَاءَ الله هدايته من النَّاس إِلَى رَبهم، يعبدونه ويشكرونه، بعد أَن عرفوه الْمعرفَة الصَّحِيحَة، وآمنوا بِهِ الْإِيمَان الصَّحِيح، وخلعوا عَنْهُم ضلالات الْجَاهِلِيَّة وسخافاتها، وَاسْتمرّ هَذَا الْحَال بِأمة الْإِسْلَام دهراً، إِلَى أَن دب إِلَيْهِم الدَّاء الدوي، وَالشَّر المستطير، أَلا وَهُوَ الْإِعْرَاض عَن الْوَحْي، والإعجاب بالآراء والأهواء، فَإِذا بِالطَّرِيقِ مطروق، والبضاعة مَوْجُودَة، أَلا وَهِي مقولات الفلاسفة، فتلقفها من الْمُسلمين رَدِيء الْحَظ، سيء النّظر، مِمَّن جهل ربه، وَجَهل دينه على تفَاوت بَينهم فِي مِقْدَار الْأَخْذ مِنْهَا، فَمنهمْ من استبدل الْخَبيث بالطيب، فأقصى وَحي الله عز وَجل، وَأخذ بزبالة الأذهان، وحثالة المقولات، وَجعلهَا أصلا، وَلم يقم لغَيْرهَا من وَحي الله ونوره وزنا، وَهَؤُلَاء هم من يسمون (فلاسفة الْمُسلمين) وَيدخل فيهم الباطنيون وفلاسفة الصُّوفِيَّة أَصْحَاب وحدة الْوُجُود.

الصفحة 179