كتاب قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية

يلْزم مِنْهُ أُمُور عدَّة:
أ- أَن الصِّفَات المثبتة لله عز وَجل وفْق نُصُوص الشَّرْع كَثِيرَة مِنْهَا: الْوَجْه وَالْيَدَانِ والعلو وَالْعلم وَالْكَلَام والسمع وَالْبَصَر وَالْقُدْرَة والإرادة والحياة والرضى وَالْغَضَب وَالرَّحْمَة، وَغير ذَلِك.
وَالله عز وَجل مَوْصُوف بهَا على صفة الْكَمَال، الَّذِي لَا يلْحقهُ فِيهَا نقص بِوَجْه من الْوُجُوه، لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ الْكَامِل من كل وَجه، وَقد دلّت الْآيَات الْكَثِيرَة على ذَلِك، فَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} الصافات (159) الَّتِي تدل على تَنْزِيه الله عز وَجل عَن كل نقص وعيب1، وَقَوله عز وَجل {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} الْبَقَرَة (255) ، فَهَذَا فِي كَمَال الْعُلُوّ لَهُ سُبْحَانَهُ {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} النِّسَاء (167) وَهَذَا فِي كَمَال الْعلم، {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} الْملك (19) وَهَذَا فِي كَمَال الْبَصَر {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الْبَقَرَة (20) فِي كَمَال الْقُدْرَة.
كَمَا ينفى عَن الله عز وَجل كل مَا نَفَاهُ عَن نَفسه سُبْحَانَهُ أَو نَفَاهُ عَنهُ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل قَوْله عز وَجل {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} فاطر (44) {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} الْبَقَرَة (250) {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً} الْجِنّ (3) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} الإخلاص (4) وَنَحْو ذَلِك.
وكل صفة منفية عَن الله عز وَجل فَهِيَ دَلِيل من وَجه آخر على الْكَمَال، فنفي الْعَجز دَلِيل على كَمَال الْقُدْرَة، وَنفي السّنة وَالنَّوْم دَلِيل على كَمَال الْحَيَاة والقيومية، وَنفي الصاحبة وَالْولد دَلِيل على كَمَال الْغنى وَكَمَال الوحدانية، وَنفي المكافئ والمماثل دَلِيل على وحدانيته فِي صِفَاته، فَلَا مثيل لَهُ جلّ وَعلا سُبْحَانَهُ.
ب- إِن من الصِّفَات الثَّابِتَة فِي الْقُرْآن مَا يكون كمالاً فِي حَال دون
__________
1 انْظُر معنى ((سُبْحَانَ الله)) فِي تَفْسِير ابْن كثير (1/73، 75) .

الصفحة 194