كتاب قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية

حَال، فَلَا تثبت لله بِإِطْلَاق وَلَا تنفى عَنهُ بِإِطْلَاق، وَإِنَّمَا تثبت فِي الْحَال الَّتِي تكون كمالاً، كَمَا فِي الكيد وَالْمَكْر وَالْخداع والاستهزاء.
فَهَذِهِ الصِّفَات لم يثبتها الله عز وَجل لنَفسِهِ إِلَّا فِي مُقَابل فعل أعدائه، فَيكون معاملتهم بِجِنْس فعلهم، من الْكَمَال فِي الانتقام مِنْهُم وعقوبتهم،وَذَلِكَ فِي مثل قَوْله عز وَجل {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} آل عمرَان (54) {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} النِّسَاء (142) {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً} الطارق (15-16) .
جـ- مَا لم يرد إثْبَاته وَلَا نَفْيه فِي الْكتاب وَالسّنة فَلَا يجوز إِطْلَاق القَوْل بِهِ، لِأَنَّهُ من بَاب القَوْل على الله بِلَا علم، وَقد حرم الله ذَلِك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} الْأَعْرَاف (33) .
وَالْوَاجِب فِي مثل ذَلِك التَّوَقُّف وَمَعْرِفَة الْمَعْنى المُرَاد، فَإِن كَانَ الْمَعْنى المُرَاد حَقًا قبل وَغير اللَّفْظ إِلَى مَا يتَّفق مَعَ الشَّرْع حَتَّى يُؤمن اللّبْس، وَإِن كَانَ الْمَعْنى المُرَاد بَاطِلا رد لَفظه وَمَعْنَاهُ. وَهَذَا مثل نفي الْمُتَكَلِّمين للجهة وَالْمَكَان والجسم وَنَحْوهَا، فَإِنَّهُ إِن أُرِيد بالجهة وَالْمَكَان جِهَة السّفل أَو مَكَان يحوي الله عز وَجل ويحوطه فَهُوَ معنى بَاطِل مَرْدُود، وَإِن أُرِيد بالجهة الْعُلُوّ أَو الْمَكَان فَوق الْعَرْش فَهُوَ معنى حق ثَابت لله عز وَجل، وَلَكِن يُغير اللَّفْظ إِلَى الْعُلُوّ والاستواء على الْعَرْش ليؤمن اللّبْس، وَكَذَلِكَ الْجِسْم إِن قصد بِهِ جسم مركب من الْأَعْضَاء فَهُوَ معنى بَاطِل، وَإِن أُرِيد بِهِ الذَّات الموصوفة بِالصِّفَاتِ فَهَذَا حق ثَابت لله عز وَجل بالأدلة فَيثبت الْمَعْنى وينفى اللَّفْظ حَتَّى يُؤمن اللّبْس1.
__________
1 مَجْمُوع الْفَتَاوَى (3/41-42) ، الْقَوَاعِد المثلى فِي صِفَات الله وأسمائه الْحسنى (ص 53-79) .

الصفحة 195