كتاب قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية

الْقَاعِدَة الثَّانِيَة: (نفي الْمُمَاثلَة بَين الْخَالِق والمخلوق فِي الصِّفَات) .
مِمَّا يجب اعْتِقَاده فِي هَذَا أَن الله تبَارك وَتَعَالَى مَوْصُوف بِالصِّفَاتِ على صفة تلِيق بجلاله وعظمته، وَأَن الْمَخْلُوق مَوْصُوف بِصِفَات على صفة تلِيق بضعفه وعجزه وَحَاجته، فَلَا تُمَاثِل صِفَات الْخَالِق صِفَات الْمَخْلُوق، فَإِن الله عز وَجل لَا يماثله سُبْحَانَهُ شَيْء فِي صِفَاته.
وَقد دلّت الْأَدِلَّة على ذَلِك وَهِي قَوْله عز وَجل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى (11) وَقَوله عز وَجل {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} الْإِخْلَاص (4) ، وَقَوله عز وَجل {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} مَرْيَم (60) وَقَوله تَعَالَى {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال} النَّحْل (74) .
فَهَذِهِ الْأَدِلَّة دَالَّة على أَن الله سُبْحَانَهُ لَا يماثله وَلَا يشابهه وَلَا يكون مُسَاوِيا لَهُ بِحَال من الْأَحْوَال أحد من خلقه وَهَذِه هِيَ وحدانيته سُبْحَانَهُ فِي الصِّفَات فَلَا يماثله أحد فِيهَا.
وَمن الجدير بِالذكر هُنَا التَّنْبِيه على أهمية هَذِه الْقَاعِدَة، وَذَلِكَ أَن الْمَخْلُوق مَوْصُوف بِصِفَات كَثِيرَة، مِنْهَا السّمع وَالْبَصَر وَالْعلم وَالْكَلَام وَالْيَد وَالْوَجْه وَالْقُدْرَة، وَغير ذَلِك، وَالله تَعَالَى مَوْصُوف بِتِلْكَ الصِّفَات.
فقاعدة نفي الْمُمَاثلَة يتم بهَا التَّفْرِيق بَين مَا اتّصف بِهِ الله تَعَالَى من الصِّفَات، وَبَين مَا يَتَّصِف الْمَخْلُوق بِهِ من الصِّفَات الَّتِي قد تتفق مسمياتها عِنْد الْإِطْلَاق، إِلَّا أَنَّهَا تخْتَلف وتتباين وتتميز عِنْد التَّقْيِيد والتخصيص، فَإِذا قيل سمع الله وبصر الله فَهُوَ يَلِيق بجلاله وعظمته وكماله، وَإِذا قيل سمع زيد أَو عَمْرو فَإِن الْمَخْلُوق مَوْصُوف بِهِ على صفة تناسب ضعفه وعجزه وَأَنه مَخْلُوق مربوب.
وَيُمكن أَن تفهم هَذِه الْقَاعِدَة بسهولة ووضوح، إِذا أدركنا أَن كل مَوْصُوف بِصفة فَإِن صِفَاته تلائم ذَاته، فمثلاً الْإِنْسَان مَوْصُوف بِالْحَيَاةِ وَالْبَصَر

الصفحة 196