كتاب قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية

كيفيتها، مِنْهَا الرّوح الَّتِي فِي الْإِنْسَان فَإِن الْإِنْسَان عَاجز عَن معرفَة كنهها وحقيقتها مَعَ أَن الْإِنْسَان يحس ويشعر بهَا وَقد أخبرنَا الله بهَا فِي قَوْله {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} الْإِسْرَاء (85) ، فَأخْبرنَا عَن الرّوح وَلم يخبرنا عَن كيفيتها، فَنحْن نؤمن بهَا بِدُونِ أَن نَعْرِف كيفيتها وَهَذَا لَا يقْدَح فِي إيمَاننَا بهَا، فَكَذَلِك وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى صِفَات الله عز وَجل فجهلنا بكيفيتها لَا ينفيها وَلَا يقْدَح فِي إيمَاننَا بهَا.
وعَلى هَذَا فَمن كيّف صِفَات الله تَعَالَى فقد افترى على الله عز وَجل، وَقفا مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ علم، قَالَ جلّ وَعلا {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} الْإِسْرَاء (36) .
ثَالِثا: تَوْحِيد الألوهية:
وَهُوَ تَوْحِيد الله بِأَفْعَال الْعباد، أَو هُوَ إِفْرَاد الله عز وَجل بِالْعبَادَة وَحده لَا شريك لَهُ.
وَهَذَا النَّوْع من التَّوْحِيد أعظم حُقُوق الله على عباده وأعلاها شَأْنًا وخطراً وَقدرا، إِذْ هُوَ النَّوْع الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ العَبْد لله عز وَجل الْحق الْوَاجِب عَلَيْهِ لَهُ سُبْحَانَهُ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِمعَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ: "أَتَدْرِي مَا حق الله على الْعباد ... ثمَّ قَالَ: أَن يعبدوه وَلَا يشركوا بِهِ شَيْئا " 1. وَالْقِيَام بِهِ وأداؤه مُتَضَمّن لأَدَاء غَيره من أَنْوَاع التَّوْحِيد.
كَمَا أَن الْقيام بِهِ لله عز وَجل، وإخلاص الْعِبَادَة لَهُ ينسجم فِيهِ العَبْد مَعَ سَائِر ذرات هَذَا الْكَوْن الساجدة والمسبحة لله عز وجلكما قَالَ عز وَجل {وَإِنْ مِنْ شَيْء ٍ
__________
1 أخرجه البُخَارِيّ - كتاب التَّوْحِيد: بَاب دُعَاء النبيصلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته إِلَى التَّوْحِيد. انْظُر: فتح الْبَارِي (13/ 347) .

الصفحة 199