كتاب قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية
قَول الفلاسفة فِي التَّوْحِيد
تمهيد
...
الْفَصْل الثَّانِي:
قَول الفلاسفة فِي التَّوْحِيد
وَفِيه تمهيد ومبحثان:
التَّمْهِيد
يقف على الضِّدّ من قَول السّلف فِي التَّوْحِيد قَول الفلاسفة، ونعني بهم: فلاسفة اليونان الوثنيين.
وَذَلِكَ لِأَن مصدر العقيدة فِي كل مِنْهُمَا مُخْتَلف، فمصدر العقيدة لَدَى السّلف الْوَحْي أما الْعقل فَهُوَ تَابع للوحي وخاضع لَهُ.
أما الفلاسفة فَلَا يعْرفُونَ إِلَّا الْعقل الْمُجَرّد من نور الْوَحْي، وَهُوَ عقل ملوث بالبيئات الوثنية الَّتِي كَانُوا يعيشون فِيهَا، فَلهَذَا كَانَ قَوْلهم فِي التَّوْحِيد مناقضاً لقَوْل السّلف وبعيداً عَنهُ كل الْبعد، بل بعيد عَن الْعقل السَّلِيم الصَّحِيح فِي أَكثر مقدماته ونتائجه، وَمَعَ ذَلِك فقد أثر فِي أُمَم كَثِيرَة من بني آدم، وَمِمَّنْ تأثر بِهِ كثير من الْمُسلمين، والمنتسبين لِلْإِسْلَامِ، فَمنهمْ من تبنى قَوْلهم وَأخذ بِهِ وَالْتَزَمَهُ، وَمِنْهُم من تأثر بِهِ تأثرا كَبِيرا فِي كثير من مناهجه العلمية ووسائله للمعرفة، فأثر بالتالي على النتائج الَّتِي توصلوا إِلَيْهَا خَاصَّة فِيمَا يتَعَلَّق بِمَعْرِِفَة الله تبَارك وَتَعَالَى وتوحيده.
وَلِهَذَا سنذكر فِي هَذِه الدراسة قَول فلاسفة اليونان عُمُوما الَّذين أثبتوا وجود الله عز وَجل، وَكَذَلِكَ قَول من أنكر وجوده تبَارك وَتَعَالَى لِأَن كلا الْقَوْلَيْنِ كَانَ لَهُ أثر فِي الْمُسلمين أَو فِي المنتسبين لِلْإِسْلَامِ، وسنبين بطلَان كل مقَالَة عِنْد ذكرهَا.
وَقبل أَن نبدأ بذلك نذْكر تعريفا مُخْتَصرا للفلسفة والفلاسفة.
أما الفلسفة: فعرفها أرسطو بِأَنَّهَا: الْبَحْث عَن علل الْأَشْيَاء ومبادئها الأولى أَو هِيَ الْعلم الَّذِي يبْحَث فِي الْوُجُود من حَيْثُ هُوَ وجود1.
__________
1 أرسطو الْمعلم الأول لماجد فخري (ص 21-25) .
الصفحة 203
506